بين الهدف وتحقيقه يظل اختيار الكاتب للطريقة او بمعنى أصح الوسيلة المناسبة لمعالجة القضايا وفق رؤية موضوعية تؤسس لمنهجية التفكير وسلامة التمرير لاسيما من خلال الكلمة، ويترتب جراء الإفراط في الحماس في بعض الأحيان جوانب سلبية قد تسهم في إعاقة تحقيق الهدف كالسرعة مثلاً في النشر بمعزل عن التأني في هذه المسألة ما قد يسهم بشكل او بآخر في انتفاء اعتبارات يجب توافرها، وحينما يوزع الإنسان الصفات جزافاً وكيفما اتفق فإنه يقع أحياناً في المحظور من غير أن يشعر، بمعنى أنه يعمم في وصفه ولا يستثني وبذلك يدخل من بوابة الظلم غير مدرك لخطورة هذا الأمر، فإذا كان الهدف سليماً فإن الوسيلة يجب ان تكون كذلك لكي تصل الى الهدف بيسر وسهولة في حين ان إتاحة الفرصة للتأمل على نحو يمنح العقل حيزاً أوسع من الأهمية بمكان وبالتالي فإن اتساع الأفق والإدراك الكامل سيؤديان أدوارهما المنوطة بهما بانسيابية تجنح إلى التعقل والرؤية الصائبة بلوغاً الى استيعاب وتمرير قناعة منصفة ، لذلك كان التريث في هذه المسائل من خصائص الاتزان المؤدي إلى الاستقرار النفسي، وحينما يكون النقد جزءاً لا يتجزأ من تحقيق الهدف كأن يكون مثلاً مدعاة لجلب الإبداع من خلال التحفيز وشحذ الهمم، ففي هذه الحالة يجب ان تتم مراعاة عدة جوانب ومن ضمنها بلا ريب الاعتبارات المعنوية والعناية بالألفاظ ، فإذا اتخذ النقد الطابع الشمولي بمعزل عن الاستثناء كأن يكون الهدف الرقي بمستوى الكل بنقد الكل فإن الكاتب في إطلاق رأيه او تقييمه على العموم قد يسقط الكل ويكون انحسار الأمل في التجاوب مع الطرح أقرب منه الى التفاعل معه، من هنا فإن الكاتب يضل الطريق ويفقد الهدف لأن الكرة لم تغادر ملعبه، بل سيضع نفسه في موقف لا يحسد عليه، وقد يساء فهم قصده ويوصم بالتجني والتحامل على هذه الفئة او تلك، وبالتالي فإن لبعض الكلمات في هذه الناحية الأثر الايجابي الفاعل والاستثناء تحديداً كأن يستعين بكلمة البعض او الغالبية او السواد الأعظم بمعنى انه بتعميمه على الكل يكون قد اقفل المخارج وحاصر التطلع والطموح في زاوية ضيقة بإلغائه خط الرجعة ليس على الجميع فحسب بل حتى عليه هو بحيث لايستطيع العودة لأنه أقفل المخارج في حين ان بإمكانه تصحيح مارمى إليه بالاستدراك في اطار الشجاعة الأدبية، واذا كان ثمة مجال لتدارك التجاوز فلم لايكون من البداية بتوخي الحيطة والحذر، اذ تستطيع نقل الكرة من ملعبك الى ملعب الطرف الآخر متى ما تركت فسحة لأن الكل لايرغبون ان يكونوا ضمن البعض المعنيين بالنقد، والغالبية يرغبون بأن يكونوا من ضمن الأقلية الذين استثنيتهم بالإشادة، وهذا الأمر حتماً سيفسح المجال ليكون التنافس على أشده طالما في الوقت متسع، ولنأخذ على سبيل المثال الصحافة الرياضية او المحللين الرياضيين، فإذا تم وصف الصحافة الرياضية والمحللين بالانحياز وعدم الحيادية والتجرد فإن هذا فيه تجن، لأنك بما وصفت فإنه يتعين عليك قراءة كل شاردة وواردة في هذا المجال، فإذا لم تقرأ كل ما كتب فكيف تحكم وفق جزئية لم توافق قناعتك، ولكي تكون الوسيلة ضمن الاطار السليم المعد لبلوغ الهدف فإن هذا يتأتى من خلال أطر بحيث يكون التركيز جانباً رئيساً فيها بالاضافة الى التحقق من المعلومة استشعاراً للأمانة الصحفية، وكذلك الابتعاد عن حالة الانفعال والغضب عند الكتابة، لأن الانفعال يسهم في تضييق الأفق وعدم الحضور والاستعداد الذهني المطلوب توخياً للحرص والدقة في هذا الجانب، وبهذا العمل ستصل الى هدفك بمعزل عن التجريح الذي قد تقع فيه وهو أبعد ما يكون عن تصورك، وأبعد ما يكون عن قصدك لتصبح النتيجة ايجابية ومحققة للآمال والطموحات ، الكلمة سلاح ذو حدين اي يمكن استخدامها للبناء ويمكن استخدامها للهدم ايضاً، وهذا مقرون بطبيعة الحال بعدة عوامل منها صحة الهدف وكذلك التوقيت المناسب واختيار الوسيلة المناسبة للوصول الى الهدف بيسر وسهولة. فالكلمة الصحيحة في السياق الخطأ او الكلمة الخطأ في السياق الصحيح كلاهما ستؤدي للنتيجة نفسها. استفزاز القارئ ليس بالامر الصعب بيد ان الحصول على قناعته هو الاصعب، والقارئ فطن ويفهم ما يراد بين السطور حتى وان بلغ الكاتب من الحيلة والدهاء ما يعتقد بأنها ستمكنه من التخلص والتملص، إلا أنه حتماً سينكشف، وإذا كان الطرح يتطرق الى قضية حساسة وتهدم المجتمع بشكل عام فإن على الكاتب في هذه الحالة توخي الحرص والحذر وعدم الخوض في امور قد توقعه بدون قصد في المحظور وتؤلب عليه القراء وهو على فعل ذلك غير مجبور، فإذا لم ترافق الكتابة الحكمة «ورأس الحكمة مخافة الله» فإن الطرح سيولد خديجا وغير مكتمل النمو وحتماً لن يستمر بانتفاء الاساس فلا بناء بدون اساس، حتى وان كانت العواميد قوية وصلبة فان هذا البناء لا يفتأ ان يتهاوى مع اول هبة ريح خفيفة والدبلوماسية في الكتابة وهذا المصطلح الذي ما احوجنا الى تأصيله وتفعيله والمتمثل في بلوغ الهدف بسلامة المنطق وحسن الحوار المقنع والهادف، وفي سياق متصل فإن سوء الظن حتى يثبت العكس هو الدارج بكل اسف مع ان المفترض هو حسن الظن حتى يثبت العكس ولذلك قيل المتهم بريء حتى تثبت ادانته ولم يقال بأن المتهم مدان حتى تثبت براءته. الأخطاء تحدث مررا وتكرارا، غير أن المعيار في التحديد يتم على ضوء القصد من عدمه فكم من الأخطاء تحدث من غير قصد، ويدفع المخطئ غير القاصد الثمن نتيجة لغياب هذا المبدأ، فإذا كان العباد يطلبون من رب العزة والجلال عدم المؤاخذة على النسيان والخطأ {رَبَّنَا لاَ تُؤَاخِذْنَا إِن نَّسِينَا أَوْ أَخْطَأْنَا فحري بهم كذلك أن يغلبوا حسن الظن في التعامل؛ لأن العقاب إذا لم يوافق التهمة، ويتطابق مع الأدلة الموثقة لهذا الأمر، خصوصا القصد من عدمه، فإنه يندرج في نطاق الظلم. ويبقى حسن الظن تاجاً على رؤوس العقلاء ذوي السمات الحميدة والصفات الحسنة.