هناك مساحة واسعة لتطوير جسور التواصل عبر خطابنا الديني والثقافي والتربوي في المسجد والبيت والمدرسة ومقر العمل. وإذا أردنا بناء هذا التطوير على أسس واقعية فمن المهم أن نبدأ بالتشخيص من خلال تقييم ما قدمناه ونقدمه من برامج التثقيف والتوعية في موضوع التأثير التربوي والاجتماعي لا يكفي إطلاق النصائح والتوجيهات بل طريقة إطلاقها، ثم مدى تأثيرها في الفكر والسلوك؛ فالاتصال الإنساني فن وقد تكون عالما متميزا في مجال معين ولكن مهارتك في الاتصال بحاجة الى تطوير. وعند تقييم المعلم أو المدرب فإن من أهم عناصر التقييم القدرة على إيصال المعلومة أو الفكرة وإحداث التأثير. وحتى مع تطور تقنيات التعليم والتدريب تظل المهارات الشخصية الأكثر تأثيرا.. المعلم، والمربي، والداعية، والمصلح الاجتماعي، كل هؤلاء وغيرهم يمارسون التوجيه والنقد ويحدثون تأثيرا غير مكتمل لعدة أسباب منها ما يلي: استخدام أسلوب التوجيه المباشر. الاعتماد على رفع الصوت كوسيلة للتأثير. النقد غير الموضوعي وتوجيه الاتهامات لأصحاب سلوك معين وليس للسلوك نفسه. كأن نقول مثلا: إن من يقول كذا وكذا فهو حاقد أو جاهل. الأسلوب الانشائي والتعميم. التعالي على المتلقي. ضعف مهارة الانصات. عدم المرونة في تقبل الاختلاف في الرأي، والاتصال في هذه الحالة يكون في اتجاه واحد لا مجال فيه للحوار. ضعف مهارة إدارة الوقت. استخدام اللغة غير المناسبة. تلك بعض الأسباب التي تحيط بعملية الاتصال الإنساني وتؤثر سلبيا في إحداث التأثير المطلوب عندما يتعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية والتربوية.. وفي حياتنا اليومية كم هائل من الخطب والنصائح لكن ما يؤثر فينا قليل منها وهي تلك التي تتوفر فيها شروط التأثير ومن أهمها احترام عقل المتلقي، وطريقة الطرح، وحسن اختيار العبارات، والمصداقية، وعدم التكلف، والاعتراف بعدم المعرفة في حالة تلقي الشخص سؤالا لا يعرف اجابته. حين نراجع برامج التوجيه والتوعية ونخضعها للتقييم بمعيار تأثيرها في السلوك وفي تحقيق الأهداف التي أنشئت من أجلها، سوف نجد أن تأثيرها محدود جدا. ومن الأمثلة الواضحة على ذلك حوادث المرور، والتطرف الفكري، وتصنيف البشر، وتنفيذ مشاريع ضعيفة الجودة، والاسراف في الولائم وحفلات الزواج، والغش التجاري، وغيرها. أعلم أن تلك المشكلات أو العادات لن تختفي تماما وأنها لا تنتهي بخطبة أو قرار، ولكن بالإمكان تحقيق نجاحات وإنجازات في هذا المجال من خلال طريقين هما: القانون. والآخر يتمثل في جسور التواصل الإنساني بمكونات ووسائل حديثة متجددة قادرة على احداث التأثير المطلوب. وهذه الجسور هي برامج التثقيف والتوعية، هي الخطاب الديني والخطاب الثقافي، والندوات والمؤتمرات والبرامج التلفزيونية والاذاعية، هي الصحافة، والاعلام بكل طرقه ووسائله المتنوعة، هي وسائل الاتصال الحديثة، هي الدروس العلمية في المدارس والجامعات، هي برامج التدريب وورش العمل، وغيرها من قنوات التواصل الإنساني. إن تأثير تلك الوسائل يتطلب الخروج بها عن الإطار التقليدي والأسلوب المكرر الذي جربناه ولا زلنا نفعل دون تحقيق نجاحات على مستوى الممارسات. فالمفاهيم والنظريات والأدبيات كثيرة وجميلة لكن الجسور التي تنقلها من ميدان التنظير الى ميدان التطبيق جسور بحاجة الى صيانة وتطوير وتغيير. وفي ظني أن من أهم الخطوات التطويرية تحويل المتلقي الى مشارك. البداية تكون من البيت والمدرسة ومن المعروف أن أساليب التربية والتعليم التي تعتمد على المشاركة تؤثر إيجابيا في تحقيق الأهداف وبناء الشخصية الإيجابية. إذا تعود الطفل على الحوار مع والديه وأعطي الفرصة ليقول رأيه أو ما يشعر به فسوف يكتسب الثقة بالنفس ويشعر بأنه مسؤول مثل الآخرين، وفي المدرسة والجامعة سيكون مجال الحوار أوسع ونطاق المشاركة أكبر. وبالحوار والمشاركة يمكن تعزيز الانتماء والاتجاهات الإيجابية، واكتشاف المواهب والقدرات ورعايتهما. ومن الخطوات التطويرية كذلك اختيار الوقت المناسب واللغة المناسبة والأسلوب المناسب. وكلمة (مناسب) تعني أهمية مراعاة العمر، ومستوى التعليم، والظروف الاجتماعية بالنسبة للمتلقي. لا يمكن مخاطبة الأطفال -مثلا-عن الغزو الثقافي والعولمة، ولن يؤثر في سلوك المتلقي أن نتوجه اليه بخطاب توجيهي مباشر مستمر لا يتغير. وقد يتحقق تأثير سلبي حين نوجه سهام النقد الى المتلقي بطريقة هجومية تجعله لا يتقبل النقد ولا التوجيه. هذا ما يحصل نتيجة الأساليب التربوية الخاطئة التي يستخدمها البعض مع الشباب في سن المراهقة!. هناك مساحة واسعة لتطوير جسور التواصل عبر خطابنا الديني والثقافي والتربوي في المسجد والبيت والمدرسة ومقر العمل. وإذا أردنا بناء هذا التطوير على أسس واقعية فمن المهم أن نبدأ بالتشخيص من خلال تقييم ما قدمناه ونقدمه من برامج التثقيف والتوعية حتى نتعرف على الجوانب التي تحتاج الى تطوير، والوسائل والأساليب التي تجعل تلك البرامج مؤثرة. هذا موضوع يحتاج الى بحث والبحوث نشاط رئيس للجامعات وفي هذا مجال لتقوم الجامعات بدورها في خدمة المجتمع.