منذ انتهاء شهر رمضان وعلى امتداد ما يقارب الشهرين بدت مدينة جدة هادئة.. لك الحق الكامل في أن تستمتع بالتحرك في شوارعها من دون زحام أو أزمة سير خانقة تدفعك للخروج قبل أكثر من ساعة لمشوار لا يتجاوز الربع ساعة.. في المساء ومع امتزاج ليلها الساحر بالرطوبة الخانقة.. يحكمك شغف المدينة الآسرة التي تحررت في الصيف من ضجيجها وسطوة ازدحامها.. لتتراقص على ظلال الأمل في أن تبقى هكذا.. ولا تتسرب لها في قادم الأيام حياة فوضى الزحام التي تتحول إلى كابوس أحياناً! والواقع أن ملامح جدة قد تعني كثيراً من المدن في الصيف، وبالذات التي تتدثر بالحرارة الشديدة.. وتدفع قاطنيها إما للسفر والهروب للداخل أو الخارج.. أو البقاء داخل المنازل وعدم المغادرة حتى تتكسر موجة الحر المرهقة! ولعل السفر السنوي من الحرارة بدا هذا العام أكثر من الأعوام الماضية بعد أن تحول إلى موضة أحياناً وهروب أحياناً واعتياد على التغيير أحياناً أخرى.. وحاجة ملحّة للعودة إلى العمل والدراسة بنفسية أفضل.. وتوزّع المسافرون في قارات العالم كلها، وشكّلت الدول الجديدة التي لا تحتاج تأشيرة وجهات سفر جديدة.. وعادت بعض الدول إلى وهجها القديم في التدفق السياحي واستمتاع السائح بدفع مصروفات متوسطة وغير خيالية كما يحدث في السياحة الأوروبية.. هذه الهجرة السنوية فرغت المدن وهدأت شوارعها ومنحت من لم يسافر متعة رؤية مدينته مرة أخرى وكأنه يراها للمرة الأولى ويستشعر جمالها ويقرأ ملامحها ويغمره نورها من بداية النفق وليس نهايته.. لكن وكعادة الأشياء فهي متغيّرة وغير ثابتة.. وبالتالي عادت المدن منذ الأسبوع الماضي إلى حيويتها الصاخبة وزحامها المعتاد.. وطوت صفحة الهدوء وعادت تلك الأسراب المهاجرة إلى أماكنها لتعاود الحياة المعتادة.. فالطلبة سيعودون لمدارسهم الأحد القادم.. والموظفون إلى أعمالهم وهذا هو الطبيعي.. لكن ما هو غير طبيعي الرغبة في تمديد الإجازة للطلاب والموظفين، وهي عادة رفض تتكرر كل نهاية إجازة صيف.. يتبادل الناس إشاعات كاذبة بتمديد الإجازة لمدة أخرى.. وفي السنوات الأخيرة يطلقون «هاشتاق» في تويتر «نعم لتمديد الإجازة» ولا للعودة للمدارس.. رغم أن الإجازة امتدت ما يقارب 4 أشهر وهي كافية، وينبغي أن يعود الجميع بروح عالية ورغبة مندفعة للعطاء والعلم.. وبشغف يرحب بالعودة.. لتنتظم الحياة المعتادة ونعود إلى ما كنا عليه. ثمة توافق بين رغبات المرء وواقعه.. هي من يصنع الفارق ويمنح التغيير المعنى الحقيقي.. ولعل الطغيان لكل شيء على حساب الآخر يكسر التوازن في المسار الحياتي الذي يعتمد على التبادلية بين الراحة والعمل.. والانطلاق والتوقف.. والمتعة والهدوء.. نحتاج دوماً أن نستمتع بالضفتين، ولا نسقط أسرى ضفة واحدة. عودة حميدة للجميع وموفقة وزاخرة بالجد والسعادة.. Your browser does not support the video tag.