أَقسم الله سبحانه بالبلد الأمين، وبنى سيدنا إبراهيم - عليه السلام - الكعبة فيه، ودعا له بالأمن، فاستجاب الله لخليله، ومنَّ به حرماً آمناً يُتخطف الناس من حوله. لم يكن الموحدون حصراً من عَرَف حُرمته، فقد فعل أهل الجاهلية، حتى المشركون، بل إن الفيل عَرَف، فعصى رغم العصا؛ فكان يسير أينما وُجِّهَ، عدا اتِجَاهه. فهل مات أبرهة؟ الإسلام دين السلام، الذي به ابتداء اللقاءات، وختام الصلوات، فيكف لا يراد أن يكون في أرضه! الحرم المكي، مِن اسمه تتضح الحرمة وقداستها، ومَن دخله أَمِن على نفسه، بل إن الطير فيه تأمن، ولا يجوز قطع شجرة ولا شوكة. فالأمن هو المطلب الأول للمجتمع الإنساني، وهل ستهوي إليه أفئدة الناس ما لم يكن آمناً! منّ الله على هذا البلد بالحرمين الشريفين، وسخر لهما حكومة تقوم عليهما خير قيام، بل إنها تتابعت ألقاب خادم الحرمين الشريفين على عدد منهم، وأي شرف ذاك؟ ولقد خلق الله إبليس قبل آدم، فحسده، لا لشيء سوى لفضله، ولا يزال وعد الاحتناك لذرية آدم ماضيا، فاستغل أعوان إبليس طُهر المكان، وشرف الزمان، لبث السموم الطائفية، وإبداء السوءات السياسية. لبى الرسولُ - صلى الله عليه وسلم - وأتباعُه لله، ولبوا لغيره، ووحده وأشركوا به، وحمده وأثنى عليه ونسب الملك له، ولكنهم هتفوا بغير ذلك. بالغدر أراقوا يوم النحر دماء الحجاج، ومن قام على خدمتهم. تكررت محاولات تسييس هذه المناسبة الشريفة، مرة بافتعال المشكلات، ومرة بخلق الاختناقات، ومرة بمحاولة التفجير. تعامل أهل السياسة مع كل ذلك بحكمة وكياسة. وحينما بلغ السيل الزبى، وأعذر المنذر، مُنعَ المفسد من إفساده، فرأى العالم نجاح الحج بلا سياسة، علموا حينها ما كان يعلمه حكماؤنا، وإن قلّ حديثهم. حاولت أخرى اتهام المملكة بمنع حجاجها، «وشهد شاهد من أهلها» أنها كذبت، و»حصحص الحق». قدِم الحجاج من فجاج الأرض، باعوا ما باعوا لإكمال الركن الخامس، مُلَبين، مهللين، مكبرين، وموحدين. توحدوا في لبسهم، وفي أدعيتهم، وفي حركتهم، وفي زيارتهم للمشاعر، توحدوا في الجوهر والمظهر. ليس من الحجيج من يُرِد إلا أن يعود من ذنبه كما ولدته أمه، لذلك يحاول ألا يجادل في الحج. أما من كان الفيلُ أعقل منه، وجاء لغير حَجة، فعليه الحُجة. فلا ينسَ أن السيئة فيها بعَشر أضعافها، وليس ذلك لغيرها! ليست مكة بؤرة توتر، بل قلب المملكة، والعالم في قلب المملكة. Your browser does not support the video tag.