وقفت عند ثلاث آيات كريمات في سورة الإسراء متأمِّلاً متدِّبراً وهي قوله تعالى: وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلآئِكَةِ اسْجُدُواْ لآدَمَ فَسَجَدُواْ إَلاَّ إِبْلِيسَ قَالَ أَأَسْجُدُ لِمَنْ خَلَقْتَ طِينًا * قَالَ أَرَأَيْتَكَ هَذَا الَّذِي كَرَّمْتَ عَلَيَّ لَئِنْ أَخَّرْتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ لأَحْتَنِكَنَّ ذُرِّيَّتَهُ إَلاَّ قَلِيلاً * قَالَ اذْهَبْ فَمَن تَبِعَكَ مِنْهُمْ فَإِنَّ جَهَنَّمَ جَزَآؤُكُمْ جَزَاء مَّوْفُورًا?. والقرآن الكريم بالتدبُّر والتأمُّل يفتح للإنسان آفاقاً فسيحة من الموعظة والعبرة والعلم، تزيد من أثره في وجدان القارئ، وتحوِّل الإنسان المتدبِّر إلى مرحلةٍ متقدمة من اليقين، والبصيرة والعمل، والرؤية الثاقبة للمواقف والأشخاص. برزت أمامي صورٌ متعدِّدة نراها بأعيننا في هذه المرحلة جعلتني أفكِّر في آثار هذا الوعيد الشيطاني بالاحتناك لذرّيةِ آدم، وعيداً أعلن به إصراره على عصيان ربِّه سبحانه وتعالى، وقد أمهله إلى يوم القيامة لحكمة عظيمة تتمثل في اختبار بني آدم في الحياة الدنيا، وتوعَّده عزَّ وجلَّ هو ومن يتبعه من الناس بجهنَّم جزاءً موفوراً لهم على طاعتهم للشيطان، وانسياقهم وراء وسوسته وإغرائه وتضليله. برزت صورة هؤلاء اليهود القتلة الذين يحتلَّون فلسطين الغالية، ويقتلون الأبرياء صغاراً وكباراً بدمٍ بارد، ويعتدون على المسالمين دون خوف من الله، وكيف يخافون من الله وقد احتنكهم الشيطان الرجيم واستولى عليهم ليكونوا أتباعه في الدنيا كفراً وفساداً وإلحاداً، وفي الآخرة في نار جهنم شقاءً وعذاباً؟؟. برزت أمامي صورة جنودهم المتوحشين الجبناء وهم يعتدون على قافلة الحرّية بوحشية أثارت غضب الأسوياء من البشر في العالم كله، وصدمت حلفاء إسرائيل صدمة نفسية هائلة. برزت صورة ذلك الرجل العربي المنتمي للمسلمين بلداً وأسرةً وأهلاً وهو يتحدث عن الموت حديثاً يدلُّ على قلب أصبح كالكوخ مجخِّياً لا يعرف معروفاً ولا ينكر منكراً، وشعرت باحتناكِ الشيطان له وهو يغرق في وهمه أن الإنسان المعاصر يمكن أن يكتشف علاجاً للموت متجاهلاً قول ربِّه عزَّ وجلَّ: ?كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ? فشعرت من خلال هذه الصورة بفظاعة الاحتناك الشيطاني لمن ضلَّ من البشر، - نسأل الله السلامة والثبات على الحق والهداية لضالّ المسلمين - برزت أمامي تلك المرأة المسلمة التي تتجرأ على دينها وأخلاقها ومجتمعها، فتتبرَّج، وتختلط، وتتطاول على الحياء والخلق وتعاليم الشرع، وتطلق من كلمات السخرية بالمحتشمات من المسلمات وبالمجتمع المحافظ الملتزم بتعاليم شرعه ما أشعرني بأن الاحتناك الشيطاني قد بلغ منها مبلغه فجعلها إنساناً مَسْخاً شكلاً ومضموناً. برزت أمامي صور متعددة نراها بأعيننا لرجال ونساء منهم العلماء، ومنهم المفكرون والأدباء، ومنهم الإعلاميون، والفنَّانون والصَّحفيون، تميل بهم الأهواء، ويصدر منهم ما لا يصدِّقه العقل من الأقوال والأفعال المسيئة إلى الدين والخلق، والفضيلة، فأشعرتني تلك الصور بمعنى الاحتناك الشيطاني الخطير الذي توعَّد به الشيطان بني آدم، كما جاء في الآية الكريمة. ومعنى الاحتناك في اللغة الاجتثاث والاستئصال، والاستيلاء مع سبق (الإصرار والترصُّد) كما يقال: يقول لسان العرب: احتنك الجراد الأرض إذا أتى على نبتها، والعرب تقول: لم أجد لجاماً لدابتي فاحتنكتُها أي ألقيت في حَنكها حبلاً وقُدْتُّها، لأن من معاني الحنَكَ في لغتنا (طرف مقدَّم اللِّحْيينِ من أسفلهما). هنالك صور كثيرة بارزة للاحتناك الشيطاني، نسألُ الله السلامة منها، ونتواصى بعدم الاغترار ببعض صورها، كصور الحرّيات المزعومة التي ينخدع بها بعض المسلمين والمسلمات، وصور التطوُّر المزعوم في السُّلوك القائم على الانفلات من القيم والمبادئ وغيرها من صور الاحتناك الخادعة. إن كيد الشيطان كان ضعيفاً، وهو ضعيف دائماً حينما يواجه المؤمن الصادق الذي لا يستطيع - بإذن الله - أن يحتنكه، أو يستولي عليه. إشارة: تلك الأمانة حين نرعاها نرى=ما يدفع الآثامَ والأوزارا