«سن الخمسين سن الغرائب سن صحوة الضمير أو موت الضمير سن قدوم الشيخوخة أو عودة المراهقة سن الزوجة الجديدة».. الدكتور مختار رواية (7) د. غازي القصيبي وماذا عن خمسين الزوجة، عن منتصف عمرها وأزمته، الخمسين التي توقف ضوء عينيها عن الانسكاب على كتب أطفالها ولم تعد أيديهم الصغيرة كالفروخ تحتضن يدها وترافقهم أينما راحوا وغدو ولتلك اليد ذاتها توقفوا عن فتح أفواههم لتلقمهم طعامهم وكلماتهم.. انطلقوا وشبوا عن الطوق. أصبحت الساعات شاسعة الوقت كله لها وحدها، لم يعد الآخرون بحاجتها كما كانت الحال في السابق، تشعر أنها لم تعد مهمة.. والزوج كما وصفه الدكتور مختار مشغول هو الآخر بنفسه وبأزمة منتصف عمره هذا إن لم يكن غائباً فتكون الأرملة أو الطليقة أو المهجورة التي قد أسبغت كل الوقت والطاقة في البدء حينما كانت عروساً تؤسس حياة وتعمر بيتاً وترتبط عاطفياً بشريكها، ثم ما أن غدت أماً حتى تجزأت أربعة أرباع لبيتها وزوجها فأطفالها فلم يتبقَ لها من ذلك سوى ربع، كانت تلغي وجودها من أجل وجود أفراد أسرتها، وكأنما لا بد لها أن تحترق لتضيء حياتهم، ولا ضير في مهنة ربة المنزل إلا أنها أعظم مهنة وأخطر مهنة كذلك. بعد عمر الأربعين تبدأ في إعادة حسبة تلك الأرباع، تعيد تشكيلها وتوزيعها، وفي الغالب تفشل وتتوه إن هي منذ البدء لم تقتطع جزءها الخاص من الحياة ولم تكن تؤثث ربعها الوحيد جيداً ولم تستثمر فيه لتنعم بهذه السنوات مثلما كانت تحرص على الاستثمار في أبنائها.. من استطاعت أن تنجو من لعبة الأرباع المراوغة هي من استمرت في تعليمها، من لم تهمل وظيفتها وعملها، من حافظت على هواياتها وصديقاتها، من أبقت على متعها الخاصة تتذوقها على مهل في زحمة مشاغلها. مفهوم صلاح الزوجة في السابق كان يعتمد على عدد وحجم التضحيات فكلما ضحت أكثر وأكبر كلما كانت زوجة مثالية قد أحسنت أداء مهمتها. طبيعة الحياة الآن اختلفت، تعقدت واتسعت، لم تعد الأسرة تعتمد على صياد واحد يضمن لها الغذاء والأمن، ولم تعد الأسرة كما في السابق جميع أفرادها يعملون في الحقل فيزوجون الأبناء لكي تزيد الأيدي العاملة، الوعي الاجتماعي أصبح عالياً ومختلفاً بأهمية الفرد وإنتاجيته في مجتمعه ووسطه وبأحقيته في تحقيق ذاته ووجوده وباستقلاليته حتى في أكثر العلاقات الاجتماعية ارتباطاً. فبافتراض أن لكل شيء عمراً افتراضياً ينتهي عنده، فالعلاقات الزوجية لها عمرها يطول أو يقصر حسب معطيات وظروف تلك العلاقة، وإن استمرت الوثاق فقد لا تستمر وظائفه والفاعلية. تقول الكاتبة فرجينيا وولف: من الضروري للمرأة أن تملك بعض المال وغرفة خاصة، إن أرادت أن تكتب عملاً روائياً، وما حياة كل منّا إلا رواية. Your browser does not support the video tag.