الهند، هذا البلد العملاق الذي يحتل الجزء الأكبر من جنوب آسيا بعدد سكانه الذي جاوز المليار وثلاث مئة مليون، أي ما يقرب من سدس سكان العالم هو بحق بلد العجائب. ومن المعروف في جغرافيا العصر الحديث أن الهند كانت تحت الاستعمار البريطاني المباشر منذ العام 1858، وقد استطاع المستعمر طيلة فترة هيمنته الحفاظ على الوحدة السياسية والاقتصادية لكامل الأراضي في شبه القارة الهندية. وعندما انتهت السيطرة الإنجليزية على الهند العام 1947 أثمرت بذور الانقسام التي زرعها المستعمر، فتم تقسيم شبه القارة على أسس دينية إلى دولتين منفصلتين هما: الهند مع غالبية الهندوس، وباكستان مع غالبية المسلمين. ثم لما كان التكتّل الإسلامي سكانياً وجغرافياً كبيراً في باكستان الجديدة تم العمل على فصل الجزء الشرقي من باكستان لينشق لوحده مشكلاً دولة بنغلاديش. وتواجه الهند تحديات كبرى على المستوى الاجتماعي والثقافي، حيث يعاني المسلمون والمسيحيون والطبقات الأدنى في المجتمع من ممارسات عنصرية ودينية وطبقية عميقة على الرغم من تحريم أشكال التمييز في الدستور الهندي. ويعاني المتحولون إلى الإسلام والمسيحية من بعض أشكال العنف من قبل بعض المنظمات الهندوسية المتطرفة التي تطالب بطرد المسلمين والمسيحيين من الهند قبل العام 2021. والإشكال الذي يواجه الساسة الهنود أنه بحسب الاعتقاد الهندوسي فإن السكان يقعون تحت أربعة أقسام: القسم الأول، وهم أعلى الطبقات ويسمون «البراهمة»، ويتولون مهام الدين والتربية والتشريعات.. أما القسم الثاني فيسمونهم «كاشاتريا»، ويتولون قيادة الجيوش ومهام الفروسية ونحو ذلك.. أما القسم الثالث فهم طبقة «الفايشا»، ولهم أن يمارسوا التجارة والزراعة.. أما القسم الأخير الحقير في الثقافة الهندوسية فهم المنبوذون أبناء طبقة «الداليت»، هؤلاء ممنوعون حتى من زيارة المعابد، ويكلفونهم بممارسة المهن التي يصنفونها حقيرة، مثل أعمال النظافة والدباغة ونحو ذلك، ويشكلون في الهند أكثر من 200 مليون منبوذ وفق العقيدة الهندوسية. ويواجه المصنفون في الطبقة الدنيا الكثير من أشكال التمييز والعنف، وتفيد الإحصاءات الرسمية بوقوع أكثر من 40 ألف جريمة ضد المنبوذين في العام 2016 فقط، وتحاول الدولة الهندية التخفيف من هذه الممارسات، واستيعاب المنبوذين ضمن الحقوق الأساسية لمواطنيها، ومن ذلك انتخاب «رام ناث كوفيند» الرئيس الهندي الحالي المنتمي لطبقة «الداليت» من قبل البرلمان الهندي ومجالس الأقاليم في يوليو 2017 ليكون ثاني رئيس للهند من هذه الطبقة، ومع رمزية المنصب إلا أن حصول «كوفيند» على نسبة 65 % من الأصوات يعد مؤشراً مهماً. وإذا تجولت في الهند ستتملكك الدهشة من حال هذا العملاق المتثائب، وستجد الكثير من الدلائل التي تقول لك: إنه ينتظر الفرصة ليقود العالم في قادم السنين مع جاره القريب الصين كما تقول المؤشرات. وفي أحيان ترصد بعض المظاهر فتقول: إن التثاؤب سيطول بهذا العملاق مع مشكلاته السكانية والثقافية العميقة، زد على ذلك صعوبة الاستقلال السياسي بالقرار. ومن الإشكاليات أن الأميركيين يمارسون ضغوطهم على الهند للابتعاد عن المحور الروسي - الإيراني، والهنود واقعون تحت إغراء النفط الإيراني الأرخص، ومشاغبة الباكستانيين في العلاقات مع الجوار والأقطاب. * قال ومضى: لا يعرف الهزيمة من يملك العزيمة.. Your browser does not support the video tag.