حينما سئمَ العالمُ الغربيُ من ويلاتِ الحروب وما خلفته من آثار في النسلِ والحرث، جُنحَ للسلمِ والأمنِ، وإلى ما ينتشلهم مما هم فيه وإيجاد قوانين ومبادئ تحمي الإنسان وتحفظ حقوقه، حينها ظهرت الوثيقة الكبرى أو العهد الأعظم (الماجنا كارتا Magna Carta) وذلك في العام 1215م، وجاءَ فيها عدمُ إيقاع العقوبة إلا بموجب القانون. ومن ثمَّ ظهرَ بيان الحقوق العام 1627م فعريضة الحقوق في العام التالي 1628م، إذ فصّلت بعضُ الحقوق والحريات مع تأكيدها لما جاء في الوثيقة الكبرى أو العهد الأعظم، بعد ذلك ظهر قانون (هابياس كوربوس Habeas Corpus) في العام 1679م، ولحقهُ قانون الحقوق ( وثيقة الحقوق- Bill of Rights) في العام 1689م، والمعنية بالحقوق القضائية للمتهم. وما ظهور هذه القوانين إلا نتيجة الظلم والقهر والتمييز بكل أشكاله وصوره، وفي العام 1776م جاءت وثيقة فرجينيا للحقوق في الولاياتالمتحدة الأميركية، ومن ثم جاء إعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي وهو الإعلان المفصلي في تاريخ حقوق الإنسان العام 1789م، والذي اعتمد على الأساس الثقافي والفلسفي للحقوق من خلال نظريات جان جاكروسو، وفي العام 1791م ظهرت وثيقة الشرعة الأميركية للحقوق التي تؤكد على الحقوق العادلة والمتساوية للجميع بعد أن حُرمت المرأة والرجل الأسود من حقوقهما. وفي العام 1919م بعد الحرب العالمية الأولى أُنشئت منظمة عُصبة الأمم لتعمل على صون السلم العالمي وتجنيب العالم الدمار من ويلات الحروب، إلا أن الحرب العالمية الثانية قضت على آمال عصبة الأمم، وفي العام 1945م حين وضعت الحرب العالمية الثانية أوزارها سارع العالم إلى إنشاء الجمعية العامة للأمم المتحدة التي كونت لجنة حقوق الإنسان في العام 1947م، والتي صاغت الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948م الذي نادى بحماية حقوق الإنسان وتعزيزها، وللمملكة العربية السعودية دورٌ فاعل في صياغته، حيثُ رأس وفد المملكة جلالة الملك فيصل رحمه الله، وفي العام 1966م ظهرت الوثيقتان المهمتان وهما العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، وأصبحت هاتان الوثيقتان والإعلان العالمي لحقوق الإنسان تُعرف بالشرعة الدولية، ومن ثمَّ توالت البيانات والإعلانات حيثُ ظهر بيان رابطة العالم الإسلامي بمكة المكرمة العام 1979م، والبيان الصادر من المجلس الأوروبي العام 1980م، وفي العام 1990م صدر إعلان القاهرة حول حقوق الإنسان في الإسلام والذي أُجيز من قِبَل مجلس وزراء خارجية منظمة المؤتمر الإسلامي واعتمد يوم 5 أغسطس يومًا لحقوق الإنسان في الإسلام، وفي العام 1993م أُنشئت وظيفة المفوض السامي لحقوق الإنسان وذلك أثناء مؤتمر فيينا. وفي العام 2004م اُعتمد الميثاق العربي لحقوق الإنسان من قِبَل القمة العربية السادسة في تونس. وفي العام 2006 اُعتمد مجلس حقوق الإنسان ليحل محل لجنة حقوق الإنسان، إلا أنّ وثيقة أو خطبة حجة الوداع التي ألقاها رسول الله صلى الله عليه وسلم العام 632م (السنة العاشرة من الهجرة) أمام أكبر تجمعٍ إسلامي في ذلك الوقت إذ بلغ أكثرَ من مئة ألف حاج، وأبان في هذه الوثيقة حُرمة الدماء والأموال والأعراض وحقوق المرأة والحقوق العامة، وأكد على المبادئ الأساسية للحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وتناولت الوصايا التي فيها إصلاح البشرية، وبهذا نستطيعُ أن نقرر أن هذه الوثيقة قد سبقت الوثيقة الكبرى وغيرها من الوثائق بخمس مئة وثلاثة وثمانين عامًا، فليفرحُ المسلمون في يوم حقوقهم أنهم أربابُ حضارةٍ وأهلُ دستورٍ رباني، فقد احترم إنسانية الإنسان وحفظ حقوقه وصان كرامته، ويتزامن اليوم الإسلامي لحقوق الإنسان في الإسلام مع قرب الوقوف في مشعر عرفه، وتبذلُ حكومة خادم الحرمين الشريفين كل الطاقات المادية والبشرية لاستقبال الحجاج من كل أصقاع الأرض ليؤدوا هذا المنسك العظيم بكل يسر وسهولة Your browser does not support the video tag.