في صحيفة (الأهرام) 5/2/2003م وتحت عنوان (الانسان.. وحقوقه) كتب د. احمد عبدالمعطي حجازي يرفض ما جاء في لقاء لاحدى مذيعات التليفزيون مع استاذ مصري يعمل في الخارج من اننا كمسلمين سبقنا بقية الامم الى التبشير بحقوق الانسان.. واعتبر ذلك (خفة تملؤنا زهوا كاذبا وتقعدنا عن بلوغ الغايات التي لا يحق لنا ان نرضى عن انفسنا الا حين نبلغها.. ونحن لم نبلغها بعد..)!! @ حسين احمد امين، في كتابه (الموقف الحضاري من النزعات الدينية) يعتبر (حقوق الانسان) من القيم الغربية الليبرالية التي (شاء المفكرون الاسلاميون في مجتمعنا ان ينقبوا عن جذور لها في اصول ديانتهم)!! ويقول:انهم ذهبوا (المفكرون الاسلاميون) الى انه في حين تدعي الامم الديمقراطية الحديثة ان العالم الانساني مدين لها بتقرير حقوق الانسان وتتنازع فيما بينها فضل السبق الى ذلك تتوافر الشواهد والادلة على ان المجتمع الاسلامي هو اول من قرر المبادئ الخاصة بحقوق الانسان في اكمل صوره واوسع نطاق وانه كان اسبق المجتمعات في السير عليها، وان الديمقراطيات الغربية الحديثة لاتزال متخلفة في هذا السبيل تخلفا كبيرا عن النظام الاسلامي!! @ وفي ضوء هذا الحماس والتعصب للغرب وطروحات مفكريه وفلاسفته اعتقدان كلا من د. حجازي والاستاذ امين يدركان كم الاحترام الهائل الذي يكنه الغرب لفلاسفة (القانون الطبيعي).. (العقد الاجتماعي) البريطاني جون لوك.. والفرنسي جان جاك روسو الذي يقال انه تأثر بنظريته بمقولة عمر بن الخطاب لعمرو بن العاص رضي الله عنهما: (متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا؟).. ولا اخالهما يجهلان افتخار الغرب بالعهد الاعظم Magna Carta الذي صدر عام 1215م.. او وثيقة حقوق الانسان (Bill of Rights) التي اعلنت في 1628م.. او اعلان استقلال الولاياتالمتحدة 1776م مرورا باعلان حقوق الانسان والمواطن في فرنسا 1789م، وانتهاء بالاعلان العالمي لحقوق الانسان 1948.. وما تبعه من معاهدات بالرغم من ان هذه الشرائع والقوانين صناعة بشرية تأثرت بتراث حضارات مختلفة.. واحداث تاريخية فاصلة!! @ ولعلهما يذكران عشرات المؤلفات عن المفكرين.. والفلاسفة الذين لعبوا ادوارا مؤثرة في تشكيل مبادئ ومفاهيم حقوق الانسان منذ القرن الثاني عشر الميلادي حتى اواخر القرن الماضي.. ولقد بلغ الاعتزاز بنظرية (جان جاك روسو) عن (العقد الاجتماعي Social Contract) التي اثرت تأثيرا كبيرا على رجال الثورة الفرنسية الذين اطلقوا على كتابة (العقد الاجتماعي) اسم (انجيل الثورة) تقديرا له!! @ ولعلهما يذكران ايضا الهالة التي احاطت بالفكر الغربي الخاص بالحرية.. وحقوق الانسان الذي تمخض عن ميثاق الاممالمتحدة الصادر عام 1945م وتاليا صيغة (الاعلان العالمي لحقوق الانسان) الصادر عام 1948م.. ومن ثم (العهد الدولي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية).. و(العهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية والبرتوكول الاختياري) اللذان اعتمدا عام 1966م واطلق عليهما مع الاعلان العالمي اسم (الشرعة الدولية لحقوق الانسان) التي من بين المأخذ عليها تكريس ثقافة الغرب وخصوصيته فقط وتجاهل الثقافات والحضارات الاخرى ناهيك عن افتقادها كصناعة بشرية لحقوق انسانية جاء بها الاسلام كتابا.. وسنة وليس المجتمع الاسلامي كما يقول امين!! ومادام ذلك كذلك لماذا يستكثر الكاتبان على عربي مسلم ان يفتخر بأسبقية وشمولية وعالمية وضمانات حقوق الانسان في الاسلام ويجردانه من حق لاينازعه فيه الا جاهل او جاحد او مكابر او (مستغرب)؟! @ احسب المفكرين العربيين المسلمين يلمان بما يعرف ب(الفكر المتحيز للهوية Identitarian thourht) وبروز اصطلاحات مثل (الانجلة) و(الفرنسة) و(الامركة) أي ما يتصل بالهوية الانجليزية والفرنسية والامريكية.. وآثارا بدأت تظهر منذ القرن التاسع عشر لمفكرين المان واسبان وفرنسيين.. وانجليز حول الهوية القومية وبروز تعريفات للهوية.. وتقسيمها الى نوعين هما هوية قومية.. واخرى شخصية.. الاولى لها (شحنة اكثر خصوصية تحظى دائما بوجود بعد ارتدادي او ذاتي).. والاخرى اكثر موضوعية.. ولعل احد ابرز من تحدث عن الهوية هو (ما ثيو ارنولد Matthew Arnold) في طروحاته حول هوية الانجليز القومية قارن فيها بين هوية الانجليز والهويات القومية الاخرى للالمان.. والفرنسيين وغيرهما واستعرض اوجه التميز من وجهة نظره ما بين الاوربيين والزنوج.. والاوروبيين والشرقيين.. والاوروبيين والساميين.. ..وهكذا ظهرت العنصرية وتفشت و(ارتوت جذورها.. عبر التاريخ واثمرت الاحزاب اليمينية.. والاستعلاء الاوروبي.. والامريكي.. والتمييز العنصري) لذلك.. ومن خلال الفكر المتحيز للهوية.. اضافة الى اسباب اخرى لا مجال لذكرها هنا اخذ المفكرون والفلاسفة الغربيون ومن لف لفهم ينسبون الى ثقافة الغرب وحضارته كل انجاز خير لصالح البشرية. @ وهذه النزعة الاستعلائية.. والاستقوائية تؤكدها الكاتبة الفرنسية المنصفة (صوفي بسيس) في كتابها (الغرب والآخرون.. تاريخ من الهيمنة) تقول متكئة على معطيات تاريخية موثقة: (ان الغرب الحديث يرفض كل ما ليس اوروبيا او مسيحيا ويعتقد ان على غيرهم ان يتقبله كاستاذ حضاري يجسد القيم الكونية ويعلمها للآخرين)!!.. ان هذه النزعة متوارثة عبر الاجيال.. تلوكها ألسن معظم السياسيين والفلاسفة والمفكرين مما ادى الى بلورة النزعة العنصرية!! يقول المفكر الفرنسي جول فيري: (بعد مائة عام على اعلان حقوق الانسان والمواطن اقول لكم واكرر القول ان من واجب الاعراق العليا ان تحضر الاعراق الدنيا.. وبالتالي فمن حقها ان تستعمرها)!! وللحديث بقية.