تجهد الدول في تعزيز مشاركاتها الإيجابية في التفاعلات الدولية بغية تحقيق مصالحها، وتكريس مكتسباتها الوطنية وتوفير الرفاهية والازدهار لشعوبها، بينما تتَّسم الممارسات الإيرانية في عرقلة هذه التفاعلات، والعمل على تبديد مقدرات الشعب الإيراني في تصدير الاٍرهاب ومساعدة التنظيمات الإرهابية التي تهدّد الأمن والسلم الدوليَّين. ومنذ قيام نظام الملالي، حاولت إيران التأثير على الاتجاهات السياسية للدول إزاء بعض القضايا في المنطقة، وكيفية التفاعل مع هذه القوى، وبالتالي تأثيرها في السياسة الدولية. ولم تكفّ طهران عن لعب سياسة العصا والجزرة مع كل القوى الدولية التي تتعامل معها. ففي الوقت الذي يسعى وزير خارجيتها محمد جواد ظريف إلى إبراز صورة إيران وكأنها تتبنى سياسات واقعية توفيقية تجاه أوروبا، وحتى أميركا والمنطقة، وتأخذ المصالح المشروعة للدول بعين الاعتبار، يتولى مستشارُ المرشد في طهران، علي أكبر ولايتي، مهمّة التفاهم مع روسيا وترسيخ المقاربة الإيرانية تجاه الأزمات في المنطقة، ولا سيما في سورية، ويحاول الغمز من الطابع الإستراتيجي للعلاقات بين طهران وموسكو، في ضوء ما يتردّد عن مصير القوات الإيرانية في سورية، بالنظر للتفاهمات الإسرائيلية الروسية، وكذلك الروسية الأميركية، بشأن التواجد الإيراني في سورية؛ الأمر الذي دفع به إلى تأكيد أنّ الوجود الإيراني في سورية وفي العراق كان بطلب من الحكومتين السورية والعراقية. وعليه، فإنّ تواجد القوات الإيرانية مرتبطٌ، في رأيه، بهذه الشرعية وهذا التفويض! والحقّ أنّ الوقائع تبطل هذا الزعم، ولا سيّما الإذعان الإيراني للمقترحات الروسية التي تقضي بابتعاد القوات الإيرانية في سورية نحو 100 كيلومتر من الحدود الإسرائيلية. هذه التفاهمات والمقاربات الإيرانية في سورية تحمل في طياتها مهادنة إيرانية، ومحاولة لخلق انطباعات أنها على استعداد للمضيّ في تسويات ومصالحات طالما بقي نفوذها في المنطقة، لذا فإنّ أية تفاهمات تغضُّ الطَّرْف عن تدخُّلاتها السافرة في دول المنطقة، وعن العبث في أمنها واستقرارها، تُعتَبر غير جدية وغير مقبولة. إيران تدرك أنّ أولوياتها هي الهيمنة على هذه المنطقة الحيوية من العالم، وهي لن تتخلى ببساطة عن هذه السياسة العقيمة التي لا تخفى على المجتمع الدولي، ولا على دول المنطقة. والواقع أنّ تذاكي طهران وسياساتها المراوغة باتت مكشوفة للجميع، وعلاوةً على ذلك، فإنّ دول المنطقة لن تقبل بنفوذ إيران في الدول العربية، وإنّ المملكة العربية السعودية كانت، كما عادتها دائماً، في طليعة من تنبّه إلى هذه السياسات العدوانية، فواجهتها بحزم وفعالية واقتدار. دول المنطقة تتابع، وبيقظة تامة، العبث الإيراني وأساليب طهران المكشوفة لاستخدام علاقاتها بروسيا كمطيَّةٍ لتعزيز تواجدها من خلال اجتماعات أستانة وسوتشي 2 بغية إيجاد حالة من التحالف وخلق المحاور الإقليمية بين روسياوتركياوإيران، بعيداً عن الدول العربية أو جامعتها، صاحبةِ الشأن. ولا شكّ في أنّ إيران تلعب على نفخ طموح تركيا ونزعتها التوسعية، وإن لم يكن ذلك على غرار ضم لواء الإسكندرون، بل من خلال نشر نفوذها في المناطق السورية المجاورة ودعمها لجماعة الإخوان في هذه المناطق. يستمر العبث الإيراني في السياسة الدولية ومحاولة دقّ إسفين بين الشعوب الأوروبية وأميركا، وذلك بإظهار إيران رغبتَها في التعاون البنّاء معهم، وبادّعائها أنّ دعم أوروبا للاتفاق النووي الإيراني يَصبّ في نهر المصالح الأوروبية، ويتماشى مع سياساتها الخارجية، وذلك في سعيٍ منها لمواجهة سياسة الإدارة الجديدة الأمريكية التي أفضت إلى الانسحاب من الاتفاق النووي الإيراني، وإعادة فرض العقوبات على طهران، هذا العبث الإيراني أثبت فشله بعد تقارب وجهة النظر الأوروبية مع التوجهات الأميركية التي تصرّ على ضرورة الاتفاق على أمور أخرى بالغة الأهمية؛ مثل برنامج الصواريخ الباليستية، وهو الأمر الذي يمس أمن إسرائيل أولاً، وكذلك النفوذ الإيراني في سورية، وتدخلاتها السافرة في تقويض أمن واستقرار المنطقة ودعمها العلني للجماعات الإرهابية وقوى العنف وحراس الظلام. * كاتب ودبلوماسي سعودي سابق Your browser does not support the video tag.