أكد الخبير السعودي في التجارة الدولية د. فواز العلمي ل"الرياض" أن المستهلك والمنتج الوطني هما الخاسر الأكبر في الحروب التجارية والتي تنشأ نتيجة الاستغلال الخاطئ لأحكام الاتفاقيات الدولية وتؤدي إلى انكماش الاقتصاد العالمي بنسب غير مسبوقة، ومنيت بسببها الأسواق العالمية بخسائر فادحة، مبيناً أن هناك نوعين من الحروب التجارية، الأول يخضع للنزعة الحمائية في الدولة، والنوع الثاني ينشأ بسبب النزعة التنافسية للشركات الكبرى متعددة الجنسيات، ولذلك أجمعت جميع الهيئات الدولية المختصة بحسم المنازعات التجارية أن جميع هذه الحروب تكون ناتجة عن استخدام السياسات المشوهة للتجارة التي تعاقب عليها الدول التي تتذرع بها، وناقش العديد من النقاط من أهمها توقعاته لنتائج الحرب التجارية الحالية بين الولاياتالمتحدة الأميركية والصين على الاقتصاد العالمي وما مدى تأثير هذه الحروب التجارية على الدول الخليجية. "الرياض" ناقشت الخبير السعودي في التجارة الدولية د. فواز العلمي حول الحروب التجارية في حوار موسع هذا نصه: * هل بالإمكان إعطاؤنا فكرة موجزة عن الحروب التجارية؟ ومن هو الرابح والخاسر فيها؟ * تنشأ الحروب التجارية بين الدول نتيجة الاستغلال الخاطئ لأحكام الاتفاقيات الدولية بهدف حجب نفاذ السلع والخدمات للأسواق أو نتيجة إغراق هذه الأسواق بالسلع والخدمات الرخيصة بهدف إلحاق الضرر بالمنتجات الوطنية، وهناك نوعان من الحروب التجارية الأول يخضع للنزعة الحمائية في الدولة، التي تقوم بزيادة الرسوم الجمركية على وارداتها من الدول الأخرى، محتجةً بالمادة 21 من اتفاقية "الجات" في منظمة التجارة العالمية، الخاصة بحماية هذه الدولة من الضرر الجسيم على الأمن الوطني والقيم والمجتمع والصحة والبيئة، ويكون المستهلك هو الخاسر الأكبر فيها، والنوع الثاني من الحروب التجارية ينشأ بسبب النزعة التنافسية للشركات الكبرى متعددة الجنسيات، التي تسعى لإغراق الأسواق بتخفيض أسعارها لكسب حصة أكبر من هذه الأسواق، ويكون المنتج الوطني هو الخاسر الأكبر فيها، لذلك أجمعت جميع الهيئات الدولية المختصة بحسم المنازعات التجارية أن جميع هذه الحروب تكون ناتجة عن استخدام السياسات المشوهة للتجارة التي تعاقب عليها الدول التي تتذرع بها. * هل هناك أمثلة سابقة على هذه الحروب التجارية الحمائية؟ وهل استطاعت الدول تحقيق المكاسب من وراء إشعالها؟ * لعل أكثر الحروب التجارية الحمائية ضرراً على الاقتصاد العالمي كان في عام 1930 خلال حقبة الكساد العظيم، حيث بادرت أميركا بفرض رسوم جمركية بنسبة 50 % على نحو 20 ألف منتج من الصادرات الأوروبية، فقامت دول أوروبا الغربية بمعاملة المنتجات الأميركية بالمثل، وتسببت هذه الخطوات بتفاقم حدة الكساد واشتعال حرب تجارية ضارية بين الطرفين، تراجعت خلالها التجارة العالمية بنسبة 66 %، وأدت إلى انكماش الاقتصاد العالمي بنسب غير مسبوقة، ومنيت الأسواق العالمية بخسائر فادحة، نتج عنها إغلاق أبواب 100 ألف شركة في كلا أسواق الطرفين المتنازعين، وتقويض أصول ألف بنك أميركي وأوروبي، وانخفاض نسبة طاقة إنتاج 36 ألف مصنع إلى 54 %، وتشريد 15 مليون عامل، لتصل نسبة البطالة بين الشعوب الأميركية والأوروبية إلى 30 %، مما أدى لتفاقم حدة الفقر بنسبة 40 % في الدول الصناعية و60 % في الدول النامية. * لماذا تنتهج الدول مثل هذه السياسات الحمائية وهي تعلم مسبقاً أن نتائجها ستكون وخيمة عليها وعلى غيرها؟ * تنتهج معظم الدول هذه السياسات كموقف تفاوضي لأسباب سياسية تفاوضية، ففي عام 2003 فرض الرئيس الأميركي جورج بوش الابن رسوماً جمركية على وارادت أميركا من الحديد الصلب لحماية المصانع المماثلة في 11 ولاية أميركية وتشجيع مواطنيها على انتخابه رئيساً لفترة ثانية، وتزامن فوزه بالانتخابات الأميركية مع صدور قرار هيئة حسم المنازعات التجارية التابعة لمنظمة التجارة العالمية بفرض عقوبات مالية على أميركا، لذا كان السبب الرئيس في فرض الرسوم سياسياً بحتاً وبتكاليف باهظة. * من أكثر الدول التي تنتهج مثل هذه السياسات الحمائية؟ * قبل أيام صدر تقرير مركز أبحاث السياسات الاقتصادية في لندن محذراً دول العالم عامةً ومجموعة العشرين خاصةً بأن التجارة العالمية تواجه أسوأ مراحلها بسبب السياسات الحمائية التي تنتهجها الدول، وأكد التقرير أن أميركا احتلت المرتبة الأولى كأكثر الدول استخداماً لهذه السياسات من خلال تطبيق أكثر من 600 نوع من الإجراءات التمييزية ضد الشركات الأجنبية في الفترة ما بين نوفمبر 2008 ومايو 2018. لذا استمر نمو التجارة العالمية ضعيفاً وبمعدل 2.8 % خلال العام الماضي، مما يجعله العام الخامس على التوالي الذى يحقق فيه نمو التجارة العالمي نسبة أقل من 3 % وفقا لآخر تقرير صادر عن منظمة التجارة العالمية، هذه السياسات المشوهة للتجارة أخذت في العام الماضي منحنى خطيراً بعد أن فرضت أميركا رسوماً جمركية حمائية على وارداتها من الحديد الصلب الصيني، لتصل إلى ما مجموعه 522 %، وتشمل 266 % رسوم مكافحة الإغراق و256 % رسوم تعويض الدعم، وهذا يتعارض مع أبسط قواعد منظمة التجارة العالمية، لأن فرض هذه الرسوم بصورة مزدوجة في وقت واحد على المنتجات المستوردة يتعارض حكماً مع التزامات أميركا بالمنظمة. * ماذا نتوقع من نتائج الحرب التجارية الحالية بين الولاياتالمتحدة الأميركية والصين على الاقتصاد العالمي؟ * عندما بدأت هذه الحرب التجارية في 8 مارس الماضي بفرض أميركا رسوماً جمركية بنسبة 25 % على واردات الصلب و10 % على واردات الألمنيوم، لم ينحصر هذا الإجراء بالصين فقط بل شمل غالبية دول العالم، واستكمله الرئيس الأميركي في 22 من الشهر نفسه بالتوقيع على مذكرة تمهد الطريق لفرض رسوم جمركية على صادرات صينية إلى الولاياتالمتحدة تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار، وهذا أدى لقيام الصين بفرض رسوم جمركية بنسبة 25 % على 128 سلعة من الواردات الأميركية، ومع بداية الشهر الجاري تفاقمت الحرب التجارية الأميركية الصينية بعد فرض أميركا رسوماً جمركيةً بواقع 25 % على 534 منتجاً صينياً تبلغ قيمتها 34 مليار دولار، وردّت الصين على ذلك بفرض نسبة مماثلة 25 % على 545 منتجاً أميركياً، تبلغ قيمتها هي الأخرى 34 مليار دولار، كما هددت أميركا بفرض نسبة 10 % على صادرات صينية إضافية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار، إذا رفضت بكين تغيير سياساتها، وأن كمية البضائع الخاضعة للرسوم قد تزيد إلى ما قيمته أكثر من 500 مليار دولار، هذه الحرب التجارية ستؤثر سلباً على التجارة العالمية بنسبة تراجع خلال العام الجاري قد تصل إلى 6 %، مما سيؤدي إلى انكماش الاقتصاد العالمي بنسبة قد تفوق 2.5 %. * ما هي أكثر الشركات الأميركية والصينية تأثراً بهذه الحرب التجارية؟ * من الجانب الأميركي سوف تتأذى صناعة السينما الأميركية حيث إن 61 % من إيراداتها كانت تأتي من الصين التي تستورد 13 ألفاً من الأفلام الأجنبية، كما من المتوقع أن تتراجع واردات شركة بوينغ من الصين بنسبة 30 %، حيث إن الصين ستحتاج إلى 6810 طائرات بحلول عام 2035 تبلغ قيمتها أكثر من تريليون دولار، وكذلك شركة وستينهاوس التي أدى نجاحها في تقديم جيل جديد من المفاعلات النووية للصين إلى إنقاذها من الإفلاس خلال العام الجاري، أما شركة أبل التي تترقب إطلاق نماذج جديدة من الهواتف الذكية، فقد تخسر مكانتها في الأسواق الصينية التي استحوذت عليها عبر السنوات الماضية، وأدت إلى ارتفاع دخلها بنسبة 25.3 % من الدخل التشغيلي للشركة في العام الماضي، أما من الجانب الصيني فلا شك أن هذه الحرب ستؤثر على مصانع تقنية المعلومات والمواد الغذائية والمشروبات الكحولية ومنتجات اللحوم التي تشكل الجزء الأكبر من 1300 سلعة صينية تستوردها الولاياتالمتحدة سنوياً بما قيمته 50 مليار دولار. * ما الأسباب الحقيقية التي دفعت الرئيس الأميركي لفرض الرسوم الجمركية على الصين في هذه المرحلة الحرجة من بدء التوافق بين البلدين؟ * من المعروف أن الصين كانت قبل ثلاثة عقود تفتقد لمبادئ حرية التجارة واقتصاد السوق، حيث كانت الحكومة تسيطر على معظم الأنشطة التجارية وتتحكم في كافة القطاعات المصرفية وتمنع استخدام المبتكرات الائتمانية وتفرض المديرين على المؤسسات والشركات وتتدخل في تحديد الأسعار، وبعد انضمامها لمنظمة التجارة العالمية بادرت الصين في توجيه دفة العولمة لصالحها، لجأت الصين إلى تعديل سياساتها الاقتصادية باعتماد نظام اقتصادي منفتح ليحقق أسرع نمو اقتصادي في العالم تجاوز 9 % سنوياً، وفائض في الميزان التجارى شارف 72 % من ناتجها المحلى الإجمالى بنهاية العام الماضي، وهكذا ارتقت الصين إلى المركز الأول عالمياً في الصادرات وأصبحت أكبر منتج ومصدر للفحم والحديد والأسمنت والألمنيوم في العالم، لتستحوذ على نسبة 32 % من احتياجات السوق الأميركي، مما ساهم في زيادة عجز الميزان التجاري الأميركي مع الصين بنسبة 800 %، وارتفاعه إلى 573 مليار دولار في عام 2017، هذه الأرقام والحقائق أثارت حفيظة الجانب الأميركي، مما حدا بالرئيس الأميركي الحالي لاتخاذ خطوات متسارعة وتنفيذ سياسات حمائية ضد الصين متذرعاً بحجة الأمن الوطني، الذي تضرر نتيجة غزو المنتجات الصينية الرخيصة المدعومة والتعدي على براءات الاختراع المسروقة. * ما الخطوات المستقبلية التي سيتخذها الجانبان الصيني والأميركي؟ * لقد لجأت الصين فور فرض الرسوم الجمركية على صادراتها للسوق الأميركية بتقديم شكوى قضائية لدى منظمة التجارة العالمية، وأكدت الصين في شكواها أن الإجراءات التي اتخذتها أميركا بحق صادراتها لا تتفق مع قواعد النظام العالمي، وستقوم المنظمة بإجراء مشاورات رسمية بين الطرفين تستغرق 60 يوماً، ليتم بعدها، إذا لم يتم التوافق، رفع الشكوى إلى هيئة حسم المنازعات التجارية للبت في النزاع وفرض العقوبات، وهنا يتوجب على أميركا أن تثبت الضرر الجسيم الذي لحق بأمنها الوطني نتيجة تدفق الصادرات الصينية في أسواقها، وإذا فشلت أميركا في إثبات ذلك فإنها ستدفع ثمناً باهظاً يعادل ما خسرته الصادرات الصينية جراء فرض الرسوم الجمركية عليها. * ما مدى تأثير هذه الحروب التجارية على الدول الخليجية؟ * الدول الخليجية جزأً لا يتجزأ من القرية الكونية، لذا فإن تراجع التجارة العالمية وانكماش الاقتصاد العالمي سيؤثر حتماً على جمع الدول في العالم، إلا أن صادرات الدول الخليجية إلى الولاياتالمتحدةوالصين لن تتأثر، ولكونها من أكثر دول العالم إنتاجاً للألمنيوم والحديد الصلب، فإن دول مجلس التعاون الخليجي تشكل ما نسبته 17.5 % من إجمالي الإنتاج العالمي للألمنيوم، و5.6 % للحديد الصلب، وذلك بفضل الاستثمارات المنفذة حالياً التي يتوقع أن تقفز إلى 55 مليار دولار بحلول 2020، ونظراً لأنها ليست ضمن قائمة الدول التي فرضت عليها أميركا والصين الرسوم الجمركية الإضافية، فإن الدول الخليجية ستتمتع بأفضلية دخول الأسواق الأميركية بأسعار أقل من غيرها بنسبة 25 % للحديد الصلب و10 % أقل للألمنيوم. * كيف ترى مستقبل المملكة في مجال التجارة الدولية؟ * إن تقرير منظمة التجارة العالمية الصادر نهاية عام 2017، أشار إلى أهمية موقع المملكة الاستراتيجي، الذي تمر عبره 13 % من حجم التجارة الدولية، التي فاقت قيمتها 13 تريليون دولار في العام الماضي، وأكد على تقدم مرتبة المملكة بين دول العالم إلى المركز 27 في حجم الصادرات والمركز 31 في حجم الواردات، لذا جاءت رؤية المملكة 2030 في الوقت المناسب لدعم مسيرتنا التنموية، والنهوض باقتصادنا الوطني ليصبح ضمن أفضل 15 اقتصاداً في العالم، والتقدم بخدماتنا إلى المركز 25 على مؤشر الخدمات اللوجستية عالمياً والمركز الأول إقليمياً، ورفع مستوى تنافسيتنا إلى المرتبة 20 على مؤشر التنافسية العالمي. ولكي نستمر في تحقيق أهداف برامجنا الوطنية بحلول 2020، تقوم المملكة بخطوات حثيثة لتوجيه دفة العولمة لصالحنا وإلغاء عقدة النفط من قواميسنا من خلال زيادة مساهمة القطاع الخاص في الناتج المحلي الإجمالي إلى 65 %، ومضاعفة إيرادات الدولة غير النفطية إلى تريليون ريال، ورفع حجم الاستثمارات المباشرة بنسبة 133 %، وتخفيض معدلات البطالة إلى 7 %، ورفع نسبة مشاركة المرأة في سوق العمل إلى 30 %، ومضاعفة المحتوى المحلي إلى 75 % في قطاع النفط والغاز، و50 % في قطاع الصناعات العسكرية، وسيكون لهذه الخطوات الأثر الأكبر في زيادة رفاهية مواطنينا وضمان مستقبل أجيالنا. Your browser does not support the video tag.