تحذو الدول الأوروبية اليوم حذو الرئيس الأمريكي دونالد ترامب الذي أخذ على عاتقه - ومنذ استلامه السلطة - محاربة التجارة الصينية التي تغزو تلك الأسواق الكبيرة وتستهدفها بقوة، وذلك بتبني عدد من القرارات لمكافحة ومحاربة عملية الإغراق الصينية الناجحة. ويسعى الرئيس الأمريكي - وكذلك الحكومات الغربية - إلى حماية صناعاتهم المحلية من التدفقات الصينية، وهذا حقهم عبر موجة قرارات «حمائية» شرع في تطبيقها تباعًا، ويدرس ترامب اليوم قانون لفرض رسوم جمركية على الواردات الصينية سيكلف الصين نحو 60 مليار دولار، وهذه الرسوم يعني بها أكثر المنتجات في قطاعي التكنولوجيا والاتصالات، وهما القطاعان الأكثر تطورا في أمريكا باتت الصين وكأنها تسرقه من حضن أمه. سياسة الإغراق التي تمارسها الصين تعتبر أحد الحروب الكلاسيكية التجارية التي نجحت كثيرا بالذات بُعيد الأزمة المالية العالمية 2008، فكانت فرصة أكثر من سانحة للصين للدخول من أوسع الأبواب نحو الاسواق الغربية المصنعة التي كانت تعاني أزمة تضخم كبيرة وطاحنة، فكان المنتج الصيني الرخيص هو البديل الأكثر من مناسب، مقابل الجودة التي تتميز بها الصناعة الغربية الباهظة جدا. الأزمة المالية من جهة والإغراق الصيني من جهة جعل المنتج الغربي يعاني كسادا غير مسبوق شمل جميع الأسواق، الأمر الذي ترتب عليه ارتفاع معدل البطالة وانسحاب العديد من المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من السوق وانخفاض معدل الصناعات المحلية بسبب ضعف الإقبال، في الوقت الذي امتص المنتج الصيني الرخيص تذمر الناس بعد أن قلت السيولة في جيوبهم على أثر الازمة المالية، الأمر الذي جعل التغاضي عنه أمرا واقعا بل وملزما. اليوم أكثر منتج يهدد الأسواق الأوروبية بسبب سياسة الإغراق هو الحديد والصلب، إذ تفوقت المنتجات الصينية في أن تنافس المنتجات والصناعات الأوروبية فيه، مما شكل خطرا كبيرا على صناعة الحديد والصلب، أدى الأمر لتكبد أسواق الحديد والصلب الأوروبية خسائر كبيرة وإغلاق العديد من المحلات والمصانع، وتسريح آلاف من العاملين فيها، الأمر الذي دعا لاتخاذ حزمة من القوانين منها: فرض رسوم على منتجات الصلب الصينية الواردة، وهو أمر يخالف الاتفاقيات الدولية والثنائية، وهو ما استندت إليه وزارة التجارة الصينية في اعتراضها على تلك القرارات عبر تصريحها بأن الأمر غير عادل وأن حجم منتجات الحديد والصلب الصينية لا تتجاوز نسبتها وحجمها في السوق الأوربية ال5% بينما اللجنة الأوروبية التي شكلها الاتحاد الأوروبي لدراسة الأمر أكدت على أن هذه النسبة البسيطة التي صرحت بها الوزارة الصينية هي التي أضرت بصناعة الصلب المحلية، وكبدت السوق الاوروبية خسائر كبيرة تحتاج لسنوات لانعاشها، وأن المنتجات الصينية بسياستها التجارية هذه تقوض أسعار المنتجات الأوروبية بصورة غير قانونية. ويبدو أن الكبار اليوم نادمون على إفلات حرية التجارة، التي تستفيد منها الصين والهند كثيرا، لذا يسعون إلى إعادة الأمور لنصابها من جديد، فالأمر بات يشكل خطرا على المدى البعيد، فهل ينتهي عهد حرية السوق؟ هذا التساؤل قد يتسبب في خلل كبير في التجارة العالمية كلها وسنتضرر منه بالطبع.