مع تغير طبيعة الحياة التي أصبحت تتجه نحو التعقيد وإلى تعدد مسؤولياتها واختلاف طرق البحث عن تأمين لقمة العيش وتصاعد وتيرة الالتزامات الحياتية والمسؤولية، أصبح الفرد يعيش حالات من الضغوطات اليومية التي مطالب أمامها أن يواجه بقوة حتى يستطيع أن يحصل على توازن ذهني ونفسي يمكنه من المواصلة مع القدرة على الإنجاز وتحقيق أهدافه القريبة والبعيدة المدى، وعلى الرغم من تنوع وسائل الترفيه والقدرة على الدخول لمختلف التواصل المعرفي والإنساني الكبير إلاّ أن هذه المعطيات الحديثة لم تستطع أن تمنح البعض القدرة الكبيرة على مواجهة ضغوطاتهم الحياتية جراء تزايد وتيرة الحياة التي أصبحت تتطلب مجاراة لسرعتها التي أصبحت تتخذ شكل اللهث والركض للحاق بها، إلاّ أن المشكلة بأن مع ذلك التصاعد الملحوظ في وتيرة الحياة أصبح الكثير من الأفراد يعاني من القلق والشعور المفاجئ لحالات الاكتئاب وعدم القدرة على التوازن النفسي، فهناك حالة من الضيق يشعر بها المرء كلما دخل ذلك التصاعد الحياتي، فهل ذلك يعني بأننا بحاجة إلى إعادة النظر في الأمور التي تدفعنا إلى الانغلاق في مشكلة الركض، واللهث الدائم صوب الحياة والمسؤوليات؟، أم أن الإشكالية في طريقة تعاطينا مع تلك الضغوطات؟. تحديد الإشكالات وقالت أسيل المحيسن -خبيرة في علم الاسترخاء-: إن هناك الكثير من الظروف التي تدفع الإنسان حتى يدخل في دائرة الاكتئاب والقلق كالبحث عن لقمة العيش، وتحمل ملاحظات وإساءة البعض، والانخراط في عمل لا يفضله، وكذلك التواصل مع شخصيات لا تتوافق معه، والاضطرار لمواصلة الاستمرار في شكل حياة لا يشابهه، والكثير من الأسباب التي قد تقود المرء للدخول في حالة من الاكتئاب، مضيفةً أنه ربما عدم وجود وضع مالي يتناسب مع طموحات الفرد قد يدخله في حالة من القلق والاكتئاب الذي ينتهي باضطرابه النفسي، مبينةً أن المرء عليه أن يحدد إشكالاته الكبيرة في الحياة، وأن يحسن التعامل معها بالطرق التي تكفل له أن يتخطاها بأقل الخسائر، مشيرةً إلى فائدة لجوء الفرد إلى حالات طويلة من الاسترخاء اليومي، خاصةً أن طبيعة الحياة أصبحت متشعبة ومعقدة مع ضعف الإطار الاجتماعي الحميم الذي كان موجوداً في السابق، والذي كان يمنح القوة للفرد حتى يشعر بالاستقرار والراحة. صفاء ذهني وأوضحت أسيل المحيسن أن الاسترخاء لا يستوجب الذهاب إلى مدرب استرخاء متخصص فهناك بعض التمارين البسيطة التي يمكن للفرد أن يقوم بها في المنزل تعيد له الهدوء النفسي وتدخله في حالة من الراحة والصفاء الذهني، كعمل تمارين بسيطة في المنزل، والاستماع إلى موسيقى هادئة يُفضلها -حسب قولها- ويحلق معها بصمت بعيداً عن الضجيج لفترة ما دون الحديث والتواصل مع أحد، كما أن الابتعاد عن قنوات التواصل الاجتماعي لفترة ما من الوقت يعيد الصفاء الذهني، كذلك البحث عن الأشياء التي يعلم المرء من خلالها أنه يستطيع أن يحصل على الهدوء المطلوب والشعور بالاسترخاء كخفض الإنارة في فترة النهار والركون إلى السكون والهدوء، أو مشاهدة برنامج يمنحه الكثير من التفاؤل والمتعة والراحة، فهناك من يجد تلك المتعة في مشاهدة بعض البرامج الوثائقية أو برامج السياحة والسفر، لذلك فكل إنسان يعلم ما يمكن أن يساعده على الحصول على الاسترخاء اللازم للتخلص من الضغوطات اليومية. حالات قلق وأشارت ندى نبيل الخير -موظفة في معهد للتدريب- بأنها تعاني كثيراً من حالات القلق والشعور بالاكتئاب بسبب جملة من الظروف التي تجعلها تعيش بمزاج سيء لفترات طويلة، فعلى الرغم من ميلها بطبيعتها إلى المرح وحب الانطلاق إلاّ أنها في السنوات الأخيرة بدأت تشعر بأنها أخذت تفقد تلك الروح تدريجياً دون أن تقبض على الأسباب الحقيقية لذلك، لكنها تشعر بأن هناك الكثير من الضغوطات الحياتية عليها كساعات دوامها الطويل والعمل الكثير الذي لا يتوقف خلال فترة وجودها في مقر العمل، ثم انشغالها بمهام أخرى في المنزل، مبينةً أن جميع تلك الظروف على الرغم من تسببها بالضغوط إلاّ أنها مازالت تشعر بأن هناك شيئاً مفقوداً، وأنه ينقصها أشياء كثيرة لم تستطع أن تحصل عليها، فتشعر بالضيق والقلق لأيام طويلة، وحينما تقرر أن تخرج من دائرة الاكتئاب تجد نفسها حائرة أمام حياة باهتة تخلو من الأصدقاء الحقيقيين ومن الأسرة المحتضنة ومن المرح الذي لم يعد موجوداً سوى في طرفة تتناقلها وسائل التواصل الاجتماعي فتمنح ابتسامة باهتة. فراغ نفسي ورأت منيرة البحر -ربة منزل- أن طبيعة الحياة الحالية والتي أصبحت تدخل الفرد في غرفة باردة ومهملة وغير مسموعة، هي من تمنح ذلك القلق الذي نتحدث عنه، فالمشكلة أن الأفراد مشغولون، ولكنهم برغم تلك المشاغل يعيشون فراغاً نفسياً كبيراً، مضيفةً أنها تحرص دوماً على كسر الروتين بأفكار تدفع أسرتها الصغيرة إلى الخروج من تلك الغرفة حتى يعيشوا لحظات تمنحهم الترفيه، وحتى يسلموا من الشعور بالقلق والدخول في حالات من الاكتئاب جراء طبيعة الحياة التي أصبحت تدور في فلك السرعة المطلقة دون توقف، مشيرةً إلى أننا بحاجة دوما لأشياء قد تكون بسيطة لكنها تمنحنا الكثير من الشعور بالرضا والسعادة، لذلك فإن التعرف على الله سبحانه، وكذلك ممارسة الهوايات الصغيرة توجد الفن الذي يتحدث عنه المختصون لإدارة ضغوطات الحياة. ضغوط حياتية وتحدث د.فهد المنصور -استشاري الطب النفسي- قائلاً: إنه ليس هناك إحصائيات تؤكد بأن هناك ارتفاعاً في نسبة انتشار الاكتئاب والقلق بين الناس، وربما أن مثل هذه الحالات موجودة إلاّ أنها لم تكتشف ولم يتم الحديث عنها، ولكن يمكننا أن نؤكد أن هناك عوامل كثيرة تؤكد مثل هذه النظرية والتي تذهب إلى انتشار حالات الاكتئاب والقلق بين الناس، وذلك يعود لعدة أسباب أهمها تسارع وتيرة الحياة، والضغوط الحياتية والتسابق في ميادين العمل، وازدحام المدن، وكذلك الضغوط المادية على الأفراد، وجميع هذه العوامل تساعد على صعوبة التكيف مما يؤدي إلى الاكتئاب، مبيناً أن الإنسان في مثل هذه الحالات يحتاج إلى إدارة الضغوط بالتعامل الجيد سواء تلك التي تتعلق بالعمل أو الحياة الأسرية، مع عدم تداخل المهام الأسرية مع مهام العمل والفصل بينهما، فهناك من الأفراد من ينقل مهام العمل معه إلى المنزل، وهذه إشكالية، في المقابل هناك من الرجال أو السيدات من تنقل مشاكلها من المنزل إلى العمل، فيحدث ضغط لدى الفرد وعدم ترتيب مع عدم الإدارة بشكل جيد. النساء أكثر وأوضح د.المنصور أن الإحصائيات تؤكد انتشار القلق وحالات الاكتئاب بين النساء أكثر منها في الرجال والأسباب متعددة، فهناك أسباب تتعلق بالناحية الهرمونية للمرأة، فتكوين طبيعة جسدها يختلف عن طبيعة تكوين جسد الرجل، فالمرأة تتصف بالكثير من التغيرات الهرمونية كفترة الحمل وفترة ما بعد الولادة، وهذه تحدث تغيرات هرمونية بجسد المرأة، مما يجعلها معرضه أكثر للإصابة بالقلق والاكتئاب، كما أن الطبيعة النفسية للمرأة تختلف عن الطبيعة النفسية للرجل، فالمرأة أكثر عاطفة لذلك تفاعلها مع الأحداث يكون أكثر، وقد تصاب بالاكتئاب بشكل أسرع من الرجل. زيادة أعباء العمل تضغط على الموظف بشكل كبير د. فهد المنصور Your browser does not support the video tag.