كثيراً ما يشعر الآباء والأمهات، والعاملون مع الأطفال والمراهقين بالعجز عن تفسير سلوكهم، أو عدم القدرة على فهم حالتهم النفسية أو سبب اختلائهم بأنفسهم، أو صمتهم، أو عنادهم، أو تحديهم الأسرة والمجتمع من حولهم، وحتى أسباب انخراطهم في مجموعات وعصابات بغض النظر عن توجّهها. ويعتقد بعضهم أن الكبار أو البالغين وحدهم من يعانون من الضغوط النفسية والتوتر أو الإجهاد النفسي، وأن الأطفال الصغار والمراهقين في مأمن من الإصابة بالضغوظ والأعراض النفسية والجسدية المصاحبة لها، وكثيراً ما نسمع أو نلتقي أباً أو أماً يوجّه لابنه أو ابنته المراهقة، باستهجان، قول: ماذا رأيت من الدنيا بعد؟! رداً على شعور المراهق بالضجر والملل أو عدم الرغبة في الحديث أو الشعور بالتعب والإرهاق. تعتبر المراهقة فترة انتقالية حرجة، بل هي من أشد مراحل الحياة صعوبة وحرجاً، حيث يمر خلالها الفرد بتحوّلات نفسية وجسدية وهرمونية مفصليّة وسريعة، وفي أحيان كثيرة يعجز المراهقون عن فهم هذه التغيّرات أو كيفية التعامل معها. وتزداد الأمور سوءاً حين لا يكون الأب والأم والعاملون مع الطفل قادرين على فهم هذه التغيّرات وتفسيرها، فضلاً عن عدم قدرتهم على توضيح ذلك لأبنائهم المراهقين. ويشير مسح الضغط النفسي، الذي تجريه الجمعية الأميركية لعلم النفس APA، والخاص بالعام 2014، إلى أن مستويات الضغط النفسي لدى المراهقين تنافس بل تزيد في بعض الأحيان عن مستويات الضغط النفسي لدى الكبار والبالغين، وأن الضغط النفسي الذي يمر به المراهقون يؤثر في صحتهم النفسية والجسدية وأدائهم الأكاديمي، كما أنه يؤثر في حياة الأسرة بأكملها. وتتمثل أسباب الضغط النفسي الذي يعاني منه المراهقون، بالقلق من الدراسة والنتائج المدرسية، والقلق في شأن دخل العائلة، والخلافات الأسرية، والعلاقات مع الأصدقاء، والشعور بالإهمال أو التجاهل من قبل الأسرة أو المعلّمين أو الأصدقاء، والتعرّض لضغوطات الرفاق لممارسة بعض الأفعال كالتدخين وغيره، والشعور بعدم الكفاءة أو أنهم غير مرغوبين من الآخرين، إضافة إلى اتخاذ القرارات الخاصة باختيار المسار التعليمي المناسب، فضلاً عن الضغوط النفسية والجسدية المرتبطة بتحولات فترة المراهقة والنمو النفسي والجنسي والجسدي الذي يمر به المراهقون. ووفقاً لنتائج الدراسة، فإن الأهل بغالبيتهم لا يدركون الضغوط التي يمر بها أبناؤهم ولا يتعاملون مع الحوادث والمخاوف التي يتحدّثون عنها على اعتبار أنها تستحق كل هذا القلق، وبالتالي لا يتم تدريب المراهقين على التعامل مع الضغوط التي يمرون بها، فتتراكم وتتحوّل إلى أعراض نفسية وجسدية غير صحية. عوارض ملموسة تتمثل العوارض الجسدية للضغط النفسي لدى المراهقين في آلام جسدية كالصداع والشعور بالدوار، وآلام العنق والظهر، والغثيان، واضطرابات الجهاز الهضمي كالإسهال، والإمساك، وآلام البطن، والتقيؤ، واضطرابات في الشهية للطعام، ومشكلات في التبوّل. كما يعاني المراهقون الذي يتعرّضون للضغط النفسي من ارتعاش في اليدين وتعرّق راحتيهما، فضلاً عن اضطرابات النوم والكوابيس، والتأتأة، والشعور بالتعب والإرهاق. أما الأعراض النفسية، فتتمثل بالاكتئاب والعزلة ورفض المشاركة في الأنشطة الاجتماعية والعائلية، والقلق، والشعور بالخوف، والعصبية، وصعوبات التركيز، والشعور بالملل بسرعة، والمزاجية، وصعوبة التحكّم في الانفعالات، والغضب والتمرّد، ومخالفة الأنظمة والتعليمات، والانخراط في نوبات بكاء مفاجئة، والشعور بالاختناق. كما تظهر لدى بعض المراهقين أعراض قضم الأظافر ومصّ الإبهام ونتف الشعر أو الحاجبين. المساعدة الممكنة ليس الحل في التعامل مع عدم انضباط المراهقين هو العقاب أو اللوم أو الإهمال، فكل هذه حلول تفاقم الأزمات لديهم، وتتسبب في تدمير التواصل بينهم وبين ذويهم. إنّ أول خطوة ليستطيع الآباء والأمهات والعاملون مع المراهقين مساعدتهم في تجاوز الضغوط النفسية التي يمرون بها، هي تثقيف أنفسهم أولاً حول الخصائص النفسية والجسدية لمرحلة المراهقة، وأسباب الضغط النفسي والأعراض المصاحبة له لدى المراهقين، فتثقيف الآباء والأمهات لأنفسهم حول هذا الأمر سيساعدهم في تفهّم الحالات النفسية وتغيّرات المزاج والسلوك التي يمرّ بها المراهقون. الخطوة الثانية هي تعلّم المراهقين وتعليمهم الأساليب الصحيحة والفعالة في التعامل مع الضغوط النفسية التي يمرون فيها، حيث تشير الدراسات الخاصة بالضغط النفسي إلى أنهم يفتقرون إلى أساليب التكيّف الصحيّة مع الضغوط التي يعايشونها. وأفضل أساليب التكيّف التي يمكن تعليمها للمراهقين للتعامل مع الضغوط النفسية، أخذ قسط كافٍ من النوم والراحة والابتعاد عن تناول المنبهات، لأن النوم الجيد يساعد في استعادة المزاج الجيد والتركيز والشعور بالاسترخاء. كما يجب تعليم المراهقين التركيز على نقاط القوة لديهم، والاستثمار في مجالات الأنشطة التي يحبونها، كالرسم والتصوير والعمل التطوعي، ومساعدة الآخرين في الدروس التي يبرعون فيها. فالتركيز على نقاط القوة يساعد في شكل كبير في تخفيف الشعور بالضغط النفسي، وارتفاع الثقة بالنفس. ولا بدّ من القيام بالتمارين والنشاط البدني الذي يفرّغ الطاقة الجسدية ويبدد المشاعر السلبية المرتبطة بالضغط النفسي، ويرفع درجة الشعور بالسعادة والترفيه. ولا بدّ من تشجيع المراهقين على القيام بالأنشطة التي عادة ما تجعلهم يشعرون بالسعادة، سواء كانت بدنية، أو قضاء وقت مع الأصدقاء، أو الخروج في رحلات عائلية، فممارسة ما يحبونه يحسّن من حالتهم الجسدية والنفسية ويساعدهم في تجاوز الاكتئاب والقلق المصاحب للضغط النفسي. ويجدر تشجيع المراهقين على التحدّث إلى شخص يحبونه ويثقون به سواء كان الأب أو الأم أو أحد الأشقاء أو أحد أصدقاء العائلة، أو حتى متخصصاً نفسياً لمساعدتهم في فهم الضغوط التي يعيشونها وكيفية التعامل معها. إنّ مساعدة المراهقين في تجاوز الأزمات والضغوط النفسية وسيلة مهمة لحمايتهم من السقوط في براثن مشكلات كثيرة ليس أولها التدخين، كما ليس آخرها الانضمام إلى جماعات مشبوهة، بحثاً عن الذات والمعنى.