تمر المنطقة بالكثير من المعطيات الجيوسياسية؛ نتيجةً لمعطيات وتجاذبات فكرية ومصالح تقاطعية ومتناقضة كان لإيران دور محوري وجوهري بها، حيث لعبت دوراً ريادياً في نشر الفوضى ونشوب الأزمات الدولية وما تبِعها من معاناة شعوب المنطقة. وتستمر إيران في مشروعها الثوري "الاستعماري" وخلق جيوب وجماعات إرهابية تحقق طموحاتها في تفكيك المنطقة وإعادة الحلم الإمبراطوري الفارسي البائد من خلال رعايتها للمنظمات الإرهابية كحزب الله اللبناني وميليشيا الحوثي وغيرها من التنظيمات بالمنطقة. أهمية الحُديدة أدرك النظام الإيراني أهمية محافظة الحديدة وميناءها في الجمهورية اليمنية، حيث يتم من خلالها دعم الميليشيا الحوثية بالصواريخ البالستية والأسلحة، لغرض إطالة النزاع ونشر الفوضى، مُخترقةً وبشكل صريح سيادة الجمهورية اليمنية والقوانين الدولية والقرارات الأممية ومنها قرار 2216 وقرار 2231، وقد أوعزت للميليشيا الحوثية منذ بداية الانقلاب بوضع قدمها في البحر الأحمر، ونتج من هذا التمكين تهديداً للأمن الإقليمي والدولي ولحرية الملاحة البحرية والتجارة العالمية. الحكومة الشرعية تُدرك الحكومة اليمنية أهمية تحرير محافظة الحُديدة وميناءها لأسباب جوهرية، كونها ستصبح نقطة تحول للصراع بين الأطراف اليمنية بتحرير أول زوايا مثلث النصر "صنعاء، صعدة، الحديدة" وبداية تحرير الساحل الغربي للجمهورية اليمنية، بما يعود إليها بنتائج اقتصادية واجتماعية مهمة بالغة الأثر: كضمان تدفق الموارد المالية وإيداعات البنك المركزي اليمني في عدن -والذي سيُمكِّن الحكومة الشرعية من صرف رواتب العاملين بقطاع الخدمة المدنية والمجال الصحي وقطاع التعليم، وغيرها من مؤسسات الدولة-، وضمان الأمن الإقليمي والدولي بمضيق باب المندب والبحر الأحمر. عرقلة الحل السياسي هناك حديث عن إطار عام قدمه مبعوث الأممالمتحدة مارتن غريفيث، ويبدو أنه تضمّن مرحلتين وهما: مرحلة أمنية ومرحلة سياسية، وقد التقى غريفيث أولاً بالرئيس اليمني عبدربه منصور هادي في المملكة تحديداً في جدة، ثم انتقل بعدها إلى صنعاء وتم تقديم المبادرة للحوثي، وقد قُبِلَ بالرفض من طرف الميليشيا الحوثية التابعة للنظام الإيراني. ويبدو أن المبادرة التي قدّمها المبعوث الأممي غريفيث، قد جاء في سياقها محاولة إقناع الميليشيا بالانسحاب من محافظة وميناء الحديدة سلمياً وتسليمها بشكل نهائي، ولكن رفض الحوثي بإيعاز من النظام الإيراني. وكما يتضح من موقف الحكومة الشرعية هو الإصرار على التقدم عسكرياً إذ فشلت المساعي السياسية التي قبلتها من المبعوث الأممي، رغبةً في تطهير وتحرير أراضيها بالكامل من النفوذ الإيراني الذي يحاول استعمار اليمن عنوةً بواسطة الحوثي. وهذا ما يُفسِّر لنا خوض الجيش اليمني الوطني معارك بمساندة التحالف العربي لاستعادة منطقة الحُديدة، وهو حق مشروع بما يكفله القانون الدولي. وقد كانت لهذه المعارك أثر مهم قلب الموازين السياسية بالنسبة للأزمة اليمنية. الخيار الوحيد قرار تحرير الحديدة ومينائها، هو قرار سيادي للحكومة اليمنية الشرعية لاستعادة كافة محافظات الجمهورية وأراضيها المختطفة بعد فشل مساعي المبعوث الخاص للأمين العام للأمم المتحدة، حيث لا يمكن أن تبقى قوات الجيش اليمني الوطني في حالة من الدفاع عن النفس والهجوم الوشيك من الميليشيا الحوثية بعد أن قدمت مساحة من الوقت لتحقيق المساعي السياسية من خلال المبعوث الخاص. ولا شك أن تأمين الجهة الشرقية من محور الساحل كان له الأثر الإيجابي الكبير في تقدم الجهة اليسرى من المحور استعداداً للوصول إلى مدينة الحديدة ومينائها. العمليات العسكرية انطلق الجيش اليمني من شمال الدريهمي باتجاه الحديدة مع بداية يوم الأربعاء 29 رمضان 1439ه الموافق 13 يونيو 2018م بتدمير التحصينات الحوثية جنوب الحديدة من خلال غطاء جوي مُكثّف من قِبل قوات التحالف متمثل بعمليات الإسناد الجوي، متزامناً مع تحرك القوات شمالاً، وبحذر شديد قام بنزع الألغام والاشراك الخداعية والعبوات المبتكرة التي زرعتها الميليشيا الحوثية "بالآلاف"، ومع قُرب وصول الوحدات العسكرية جنوب مطار الحديدة الدولي بدأت عملية تطويق الحُديدة من الجهة الجنوبية والجنوبية الغربية لمطار الحُديدة والجهة الشرقية وصولاً لدوار المطاحن لغرض قطع طُرق الإمداد من الحُديدة لصنعاء، مع استمرار المحور الرئيس باتجاه مطار الحُديدة في ظل تراجع الميليشيا وانسحاب القادة الميدانيين وأسر العديد من العناصر الحوثية والتي في غالبها من الأطفال والمجندين بالإجبار، وقد استطاع الجيش اليمني بتحقيق تقدم نوعي بتحرير مطار الحديدة وتأمين الجهة الغربية والشرقية بما يضمن تطهير المطار من الألغام التي زرعتها الميليشيات قبل تدمير قدراتها وعناصرها. الجدير بالذكر أنه في بداية التحرُّك لم يكن هناك مواجهة فعلية بين الجيش والحوثيين وإنما مواجهة ألغام زرعتها الميليشيا مُسبقاً وقد بلغ عددها بالآلاف، وبدأت المواجهة الفعلية جنوب مطار الحُديدة بما تبقى من جيوب بعد استهدافها من قِبل قوات التحالف الجوية. سيناريوهات سياسية * عودة غريفيث: استمرار الجهود السياسية للمبعوث الأممي وللخروج من الأزمة قد يُقدم أُطُراً وحلولاً سياسية لكلا الطرفين الحكومة اليمنية والحوثي. * ثورة شعبية عارمة: وهي خروج سُكّان منطقة الحُديدة عن الوضع الراهن من تحت سيادة ميليشيا الحوثي، لغرض تغييره باندفاع وبكل عنفوان، ويُرافق الثورة أو يتزامن معها عملية عسكرية كاسحة من قِبل الجيش الوطني اليمني بمساندة التحالف ضد الميليشيا. سيناريوهات عسكرية * عملية خاطفة: وهي ما تُعرف بالحرب الخاطفة أو حرب البرق كما يُسميها الألمان، وهي مفهوم عسكري يُستخدم في العمليات الهجومية. وتعتمد الحرب الخاطفة على استخدام عُنصري، المفاجأة والهجوم بسرعة لمنع العدو من الصمود دفاعياً، حيث يتم شل حركته بالكامل. وتتضمن الحرب الخاطفة شن قصف مدفعي مكثف يهدف إلى إلحاق أكبر قدر من الخسائر بقوات العدو، بالإضافة إلى التأثير على معنويات الجنود المدافعين. وبالنسبة للجيش الوطني اليمني والتحالف، من الممكن أن يلجؤوا إلى هذا الأسلوب لكن بمعطيات أخرى مراعاةً للجانب الإنساني والإغاثي للمدنيين وفق تخطيط عملياتي حذر ودقيق. * عملية التطويق: وهي مصطلح عسكري المعني منه، تطويق العدو وفصله عن هدفه أو أي وحدة عسكرية تابعه له عن باقي أحلافه الذين يقدمون له الدعم اللوجستي ونحوه، ويتم من خلال هذه العملية حِصارُه من كافة الجهات، وهو وضع بالغ الخطورة بالنسبة للعدو المُحاصِر؛ فعلى الجانب العملياتي لا تستطيع تلك القوات تلقّي الدعم أو التعزيزات، في حين يصبح موقفها التكتيكي أكثر حرجاً لاحتمال تعرضها للهجوم من مختلف الجهات كما أنها لا تمتلك القدرة على الانسحاب وعليه تصبح أمام خيارين فقط؛ إما القتال حتى تُباد بأكملها أو الاستسلام. وقد استُخدمت عملية التطويق حسب التاريخ العسكري على مدار قرون سالفة، تصل للتاريخ القديم، واستُخدمت من جانب العديد من القادة العسكريين لعل أبرزهم: خالد بن الوليد ورمسيس الثاني والإسكندر الأكبر وحنبعل وسون، وفالنشتاين ونابليون ومولتكه وغوديريان ومانشتاين وجوكوف وباتون. وقد يستخدمها الجيش الوطني اليمني بمساندة التحالف مع مراعاة استمرار الحياة الطبيعية للسكان من وإلى المدينة. * حرب المدن: حرب المدن أو حرب الشوارع هي نوع من أنواع الحروب الحديثة التي تجري في المناطق الحضرية مثل القرى والمدن، وتُعتبر إحدى أصعب وأعقد حرب ممكن أن تشن، فهي معقدة لدرجة ندرتها في التاريخ العسكري والحاضر، وصعوبة حرب المدن وتعقيداتها، تكمن في كونها تخاض في عقر دار الحكومات المراد الدفاع عنها، وقريباً من مقرات أجهزتها الأمنية وعيونها. وأهم تكتيكات حرب المدن، هو الضرب والاختفاء أو الضرب عن بعد، وينجح مثل هذا التكتيك، في ظل تعاطف السكان المحليين مع منفذي مثل هذه العمليات ضد أعدائهم. * تكتيك الكماشة: تكتيك الكماشة أو الضربة المزدوجة هي مناورة عسكرية يقوم فيها الطرف المدافع بمهاجمة جناحي الطرف المهاجم في نفس الوقت الذي يهاجم فيه المهاجمون قلب الجيش المدافع، الذي بدوره يتراجع بانتظام حتى يتمكن جناحاه من تطويق المهاجمين. وحسب مصادر العلوم العسكرية "غالباً" ما تنتهي المعارك التي يستخدم فيها هذا التكتيك، بالاستسلام أو تدمير القوة المحاصرة. وقد استخدم هذا التكتيك في معركة ماراثون في القرن الخامس قبل الميلاد، كما استخدمها حنبعل في العام 216 ق.م في معركة كاناي، وهي واحدة من أعظم المناورات في التاريخ العسكري، وفي العام 633ه استخدم خالد بن الوليد هذا التكتيك بنجاح أيضاً في معركة الولجة. وقد يستخدمها الجيش الوطني اليمني بدعم من التحالف لاستمرار العمليات العسكرية المتزامنة على كافة الأطراف المجاورة باتجاه صعدة وصنعاء وعملية تحرير الساحل الغربي كاملاً ثم دخولاً على المحافظة. الجهود الإنسانية في ظل تضافر الجهود العسكرية وغيرها، لا يغفل التحالف عن اكتمال الحلقة دون بذل المزيد من الجهود الإغاثية مراعاةً للشعب اليمني البريء الذي ينال ما يناله من قطع إمدادات وسُبل المعيشة والحياة من قِبل الميليشيا الحوثية المدعومة من إيران، ولعل القريب من الذاكرة والأذهان هي العمليات العسكرية الجارية في الحُديدة حيث تم من خلالها مراعاة الجانب الإنساني، من خلال إرسال مساعدات إنسانية لليمنيين عن طريق السفن، وقد تم منح أكثر من 25 ألف تصريح لدخول المساعدات الإغاثية، برياً وبحرياً وجوياً. ولكن الميليشيا الحوثية تتعمد تعطيل الجهود الإغاثية بما فيها السفن التي تحمل مواد نفطية لمنعها من دخول ميناء الحديدة، تماماً كما عطّلت المساعي والحل السياسي بينها وبين الحكومة الشرعية. Your browser does not support the video tag.