من كان يظن أن ذلك الطبيب الشاب الذي تعرض للفشل أكثر من مرة في بداياته الأولى، وعانى من الاستهزاء والسخرية من قبل زملائه الأطباء، سيتحول بعد رحلة حافلة بالعزيمة والإصرار والتحدي إلى أيقونة ملهمة، ليس في مجال الطب النفسي وحسب، ولكن على المستوى الإنساني بأسره. يُعتبر العالم النمساوي الشهير سيغموند فرويد المؤسس الحقيقي لعلم التحليل النفسي، وصاحب الأفكار والنظريات والأساليب الرائدة في دراسة وعلاج سلوكيات العقل الباطن والأحلام، وإليه تُعزى المدرسة الحديثة التي تستخدم العلاج الإكلينيكي للكثير من الأمراض العصبية والنفسية. ولد سيغموند فرويد في بلدة فرايبورغ النمساوية في العام 1856 لأسرة غنية، فوالده ياكوب تاجر صوف، وأمه أماليا زوجة أبيه الثانية، وكان له ثمانية أشقاء. في الرابعة من عمره، خسر والده كل أمواله بسبب الأزمة الاقتصادية آنذاك فانتقلت الأسرة إلى فيينا التي قضى فيها معظم حياته. وفي العام 1865، التحق سيغموند أو «سيغي الذهب» كما كانت تطلق عليه والدته بمدرسة كومونال ريل جيمنازيوم وأظهر نبوغاً شديداً. وفي عمر السابعة عشرة، التحق بجامعة فيينا وكان ينوي دراسة القانون، ولكنه اتجه لدراسة الطب وتخرج بعد ثماني سنوات بسبب انشغاله واهتمامه بالبحث العلمي في العديد من المجالات خاصة التشريح والأعصاب. في العام 1881، حصل سيغموند على الدكتوراه في الطب العام من جامعة فيينا، وعُيّن أستاذاً فيها إضافة إلى عمله في مستشفى فيينا العام. تعرض سيغموند فرويد للكثير من الانتقادات والهجوم بسبب أفكاره وآرائه وأبحاثه المثيرة للجدل والمتعلقة بالهستيرية والأحلام، كما أحرق النازيون في العام 1933 كتبه وهرب إلى لندن. تزوج فرويد من مارثا برنيس التي أحبها بجنون ورزق منها ستة أطفال، وسارت ابنته آنا على خطاه وأصبحت طبيبة نفسية شهيرة، وهي التي أوجدت أسس التحليل النفسي للأطفال وأصدرت في العام 1936 كتابها الشهير «الأنا وآليات الدفاع». سيغموند فرويد هو عرّاب التحليل النفسي الذي وضع أدبياته وآلياته وأساليبه وعلاجاته، وهو الذي صاغ عبارة psychoanalsis في العام 1896، وكان أيضاً مفكراً حراً وأديباً لامعاً. نشر الكثير من الكتب والدراسات والأبحاث حول الظواهر والأمراض العصبية والنفسية، وكان يُتقن العديد من اللغات كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية والعبرية، ونال العديد من الجوائز والألقاب والأوسمة، ووضعت صورته على غلاف مجلة التايم الشهيرة في 27 أكتوبر 1924 باعتباره أحد العلماء العظماء، وحصل على جائزة جوته الشهيرة في العام 1930، ويوجد له نصب تذكاري قرب المنزل الذي عاش فيه قرابة العشرين عاماً في شمال لندن، والذي تحول إلى متحف يحوي كتبه وصوره ومتعلقاته الشخصية، كما ألفت حول أفكاره ونظرياته المثيرة الكثير من الكتب والدراسات وأنتج العديد من البرامج والأفلام الوثائقية حول شخصيته الفريدة. في الثالثة من فجر الثالث والعشرين من العام 1939 تُوفي سيغموند فرويد عن عمر 83 عاماً بعد معاناة مع مرض السرطان. استطاع سيغموند فرويد أن يتجاوز كل الصعاب والظروف التي واجهته خلال كل تلك العقود الطويلة من حياته، لأنه آمن بأفكاره وقدراته وقناعاته، وأمسك بأحلامه التي كان يراها ماثلة أمام عينيه، ويضع اسمه خالداً في سجل المُلهمين. يقول سيغموند فرويد: «نحن نسعى لأن نتجنب الألم أكثر من سعينا لأن نجد السعادة». Your browser does not support the video tag.