حين يتحول رمضان شهر العبادة إلى موسم عروض فنية تمثيليية «ومسلسلية» من الطبيعي أن الصفعات الدرامية سوف تلفح أنظارنا، و»تخبط» عقولنا.. صناعة فن مخصص لمثل هذا الموسم سيخرج لنا «بسلق درامي باذخ» لأن النوايا ليست صناعة دراما حقيقية وإنما بضاعة تسويقية موجهة تعتركها الشاشة الفضية. كنت أسمع دوماً حين يكون هناك لقاء مع الفنان الكبير فلان بن علان أن الفن له رسالة سامية، ولكني ومثلي كثيرون لم نقرأ ولم تصلنا هذه الرسالة بل تجبر الفنان بن علان لدرجة قوله «من قال أن الفن هو للتثقيف وللرسائل الهادفة وللتوعية»، الفن هو كما ترونه عمل يقدم بحبكة إخراجية حوارية تأتي كيفما اتفق «فهمت لاحقاً من اتفق مع من». عشرات المسلسلات تتقاذف علينا «بلاويها» من كل جانب والقاعدة عند أولئك «اللي ما يعجبه لا يشاهد ويقفل التلفاز» حسناً سنفعل.. أليس من حقنا أن يستوعب الفن حاجاتنا ومتطلباتنا ويكون لكل الشرائح والفئات المجتمعية. مسلسل كمسلسل «العاصوف» أقصد «العافوص» وعفص يعفص فهو معفوص في اللغة عفِص أي الذي لا يستساغ ولا ينزل من الحلق.. استباح فترة زمنية، واغتصب حقبة تاريخية بمسوغ أنه عمل فني درامي، وتمثيلي.. وطالبوا أن يعزل تقييمه عن سياقه المعنوي والاجتماعي والأخلاقي وأن يقيّمه فقط أهل الفن بسمات ومعايير فنية «إخراج، حبكة، حوار، حركة، سيناريو وغيرها» وأن يبتعدوا عن أي تقييم آخر. مع أنهم رددوا في إعلاناتهم أنه يمثل حقبة معينة وليتهم كتبوا أنه مسلسل خيالي لا يمت للواقع بصلة لكي يتم الابتعاد عنه. ولا يمكن أن تكتب عن فترة زمنية تمثل ثقلاً، وإرثاً تاريخياً من خلال فريق يبدأ بمخرج ليس له علاقة ببلادنا، أو تصور أحادي لمؤلف لا علاقة له بمكان أحداث هذه الحقبة فهو من منطقة أخرى حتى وإن عاش هذه الحقبة، فليس العدل ان يكتبها فقط من مشاهداته أو ما في ذاكرته الخاصة بل كان من الجميل أن يكتب هذا المسلسل مجموعة تضع فيها كل المشاهدات حتى لو كانت متناقضة لكي يكون هناك توازن درامي دون ميل لطرف وتوجه ما. كما أن مئات الألوف ممن عاشوا تلك الحقبة مازالوا على قيد الحياة وهم أحق أن يرووا هذه الحقبة. في عصر الرؤية الفاخرة لم تستطع الدراما لدينا أن تقدمنا للآخر كما ينبغي ويظهرنا لهم بسمو وتعريف حقيقي لمكانتنا وقيمتنا.. ويندر أن أجد عملاً درامياً يخلو من التهريج والتقليد والترفيه وصناعة الضحك.. ويركز على أن يدعم توجهاتنا العميقة، ويوافق خياراتنا الحالية سواء في المجتمع والسياسة والتوطين وغيرها. ويبقى القول: درامياً.. بجانب الأعمال الدرامية المسلية، والمثيرة.. إن أردنا أعمالاً جادة فلنقرأ ونرصد واقعنا، ومشكلاتنا، وطموحاتنا، وغاياتنا.. وإن أردنا أن نبرز تاريخنا فعلينا أن نستكشف ماضينا بواقعه الحقيقي بكل ما فيه، وبإثارة، وتوازن ونبتعد عن إقصاء أي مشاهد، وأحداث، وسلوكيات.. ونتجنب تمرير أمور مؤطرة، أو أحادية وأن يكتب تاريخنا أهله.. وتذكروا فالآخر يشاهدنا فلا تمنحوه فرصة. Your browser does not support the video tag.