إن المتابع للحلقات التي نشرتها "الرياض" حول قناة الجزيرة، لابد وأن تترسخ لديه القناعة بأن أسطورة "الرأي والرأي الآخر" قد أفل زمانها، وتم الإعلان رسمياً عن خاتمة الفيلم المطول ل"قناة العرب"، وظهر جلياً أن المنصة الإعلامية كانت دائماً أداة في يد النظام القطري، من أجل إعادة رسم معالم المنطقة وتوزيع جديد للنفوذ وفق رؤية استراتيجية تهدف من وراها الدوحة البحث عن موطئ قدم في منطقة جد حساسة وبيئة استراتيجية جد معقدة. الدوحة استخدمت "الجزيرة" في محاولة إعادة رسم معالم المنطقة وتوزيع جديد للنفوذ تبني خط إعلامي من خلال ربط تحالفات غير مقبولة سياسياً وقانونياً مع التنظيمات المتطرفة وتطبيقاً للقاعدة المكيافيلية التي تنص على أن "الغاية تبرر الوسيلة"، انطلقت الجزيرة في تبني خط إعلامي مرفوض أخلاقياً من خلال ربط تحالفات غير مقبولة سياسياً وقانونياً مع التنظيمات المتطرفة، والتخطيط لضرب أمن واستقرار مجموعة من الدول لمحاولة إخضاعها لأجندة النظام القطري الجديد بقيادة ثنائي "الحمدين". لقد رأينا كيف أن الجزيرة، وفي الوقت الذي كانت فيه المخابرات العالمية تبحث عن أبسط المعلومات وأي خيوط تؤدي إلى تنظيم القاعدة وزعيمه أسامة بن لادن، استطاعت الحصول على لقاء حصري مع «الشيخ» في ديسمبر عام 1998م، وأعقبته لقاءات متكررة مع رموز التنظيم، وصلت بالقناة إلى تخصيص مساحة مهمة من برامجها لعناصر التنظيم ينفثون من خلالها سمومهم ويوسِّعون من دائرة أتباعهم، حتى وصل الأمر بهذه التنظيمات إلى أن تصبح قِبلةً وملاذاً للعديد من المغرر بهم والباحثين عن إثبات الذات أو «شهادة» مزورة لدخول جنة الخلد والتي وضع الإرهابيون في طريقها جثث الأبرياء وخراب الأنظمة العربية والإسلامية. لقد ساهمت الجزيرة في جعل أيمن الظواهري وأسامة بن لادن وجوهاً مألوفةً على قناة «الجزيرة» التي أصبغت عليهم لقب الشيوخ والعلماء. على هذا المستوى تلاقت أطروحات القيادة السياسية القطرية مع تأصيلات التنظيمات الإرهابية على مستوى مجموعة نقاط التلاقي الموضوعي ومنها: * أن العلاقة بين قطر والجماعات الإرهابية وعلى رأسها جماعة الإخوان المسلمين والقاعدة وداعش والنصرة، تبقى أطروحة تدعهما مجموعة من القرائن والمؤشرات التي تحاول «الإمارة» دفعها على استحياء وبغير كثير من الشجاعة. * أن رصد علاقة قطر مع التنظيمات الإرهابية، تجد ما يبررها على الأرض. ولعل أهم تمظهرات هذه العلاقة هو احتضان قطر لأبرز رموز الفكر التكفيري المتطرف وعلى رأسهم: *يوسف القرضاوي الذي وصف قطر بأنها «أطعمتهم من جوع وآمنتهم من خوف» * وجدي غنيم الذي أعلن على الملأ شرعية إحراق الطيار الأردني معاذ الكساسبة واعتبر ذلك من صميم الدين الإسلامي * محمد شوقي الإسلامبولي أخو خالد الإسلامبولي المنفذ الرئيسي لعملية اغتيال الرئيس المصري الأسبق محمد أنور السادات أثناء العرض العسكري بتاريخ 6 أكتوبر 1981، بمساعدة من طارق الزمر الذي يوجد هو الآخر على الأراضي القطرية. * عبد الحكيم بلحاج أمير الجماعة الإسلامية الليبية المقاتلة وأحد أبرز عناصر تنظيم القاعدة ورئيس حزب الوطن الإسلامي * محمد علي الصلابي: من أخطر قيادات الإخوان المسلمين في ليبيا وصاحب كتاب «فقه التمكين في القرآن الكريم» والذي يطرح من خلاله الآليات الكفيلة بالوصول إلى مرحلة التمكين، حلم حياة تنظيمات الإسلام السياسي. سبق أن استضافته قناة الجزيرة في مرات عديدة لعل أبرزها الحلقة التي خصصت لفقه التمكين والتي كان من خلالها علي الصلابي ضيفاً على برنامج «الشريعة والحياة» *اسماعيل الصلابي: أخو محمد علي الصلابي وهو ليبي وقائد كتيبة راف الله السحاتي في نفس الاتجاه، وفي خطوة استفزازية أخرى لمشاعر المسلمين، قامت الجزيرة باستضافة الإرهابي أبو محمد الجولاني والذي كان في ضيافة الإخواني أحمد منصور. هذا الأخير كال من المديح والتبجيل للزعيم الإرهابي ما يجعل من خطابه طعماً خطيراً لذوي الفكر المحدود والتكوين الديني الضعيف والذين صور لهم أحمد منصور المناطق التي سبق وأن سيطرت عليها جبهة النصرة (أطلق عليها المناطق المحررة) بأنها أرض الخلافة الموعودة، حيث يقول المدعو أحمد منصور في معرض تعليقه على الوضع في المناطق التي خضعت عسكرياً لجبهة النصرة، قبل استعادتها من طرف النظام السوري: «أنا فوجئت، وأنا أتجول في خلال الأيام الماضية في كثير من المناطق المُحررة قطعت مئات الكيلومترات، بوجود أكثر من 10 قُرى درزية فوجئتُ أنكم أنتم الذينَ تؤمنونَ أهلها وكذلك هُناك قُرى مسيحية أيضاً فكان يعني هذا الأمر كانَ مُفاجأةً لي». هذا التمجيد تفاعل معه أبو محمد الجولاني بالقول: «بالنسبة للدروز هُم محل دعوتَنا ونحنُ نُرسلَ إليهم كثير من الدُعاة وأبلغوهم الأخطاء العقدية التي هُم كانوا قد وقعوا فيها وأظهروا لنا تراجُعهم عن الأخطاء العقدية التي كانوا عليها». في الوقت الذي كانت فيه المخابرات العالمية تبحث عن أبسط المعلومات عن ابن لادن.. تجري "الجزيرة" لقاءً معه استضافة الناطقين باسم الكيان الصهيوني لتبرير الأعمال الوحشية لدولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل لم يكتف الإخواني أحمد منصور بهذا التصوير الهلامي للمناطق التي سيطرت عليها جبهة النصرة، بل واصل وصفه للمناطق «المحررة»، حسب تعبيره، بالقول: «أنا تجولت على مدى عدة أيام في إدلب وحلب والريف والمناطق، مشيت مئات الكيلومترات، تكلمت مع الناس وجدت أنها مناطق غنية، مناطق يعني فيها استغناء كامل ربما عن الخارج، بس وجدت الناس في نفس الوقت لا تدفع ضرائب ولا تدفع يعني أشياء تفرض عليها من قبلكم حتى الكهرباء ببلاش والمياه ببلاش في الأماكن إلي فيها مياه وكهرباء طيب من أين أنتم تأتون بالدعم». كل هذه المؤشرات لا يمكن وصفها إلا بكونها «إشادة» بالإرهاب والإرهابيين وهو المعطى الذي يضع المنصة الإعلامية أمام المسؤولية القانونية والمادية على انتشار الفكر الإرهابي المتطرف من خلال استضافة رموزه والترويج لأطروحته وتشجيع الشباب للالتحاق بصفوفه، في مقابل مجموعة من «الخدمات» تجندت التنظيمات التكفيرية للقيام بها خدمة للمشروع القطري بالمنطقة والذي يظل من الدول القلائل التي لم تكتوي بنيران الإرهاب لحد الآن. أحمد منصور روَّج لتنظم النصرة الإرهابي عبر تمجيده وكيْل المديح له الإشادة بالإرهابيين يضع "المنصة الإعلامية" أمام المسؤولية القانونية والمادية عن نشر الفكر الإرهابي المتطرف من جهة أخرى رأينا كيف أن الجزيرة، ودائما تحت شعار «الرأي والرأي الآخر»، استطاعت أن تُطبِّع «عملياً» مع الكيان الصهيوني من خلال فتح مقراتها وبرامجها لناطقين باسم الكيان الصهيوني والذين أصبحوا ضيوفا عاديين ووجوها مألوفة للمشاهد العربي، حيث استطاعوا تبرير الأعمال الوحشية التي تقوم بها دولة الاحتلال ضد الشعب الفلسطيني الأعزل، في ظل سياسة الهروب إلى الأمام واللعب على الحبلين الذي بها وتجيدها حركة حماس، فرع التنظيم الدولي للإخوان المسلمين في فلسطينالمحتلة، واستمرارها في نهج تكتيك سياسي وعسكري براغماتي يضمن لها الاستمرار في حكم قطاع غزة بعيداً عن أي مغامرات يمكن أن تكون لها تكلفتها السياسية على التنظيم. إن اندلاع الأزمة الخليجية-القطرية الأخيرة ومحاولات رصد محددات الطرح الاستراتيجي، فرضت علينا مقاربة ردات الفعل القطرية على المستوى الإعلامي، حيث وقفنا على تبني الدوحة لقواعد «الهجوم الاستراتيجي» عبر سياسة إعلامية كانت قناة الجزيرة أحد أهم وسائلها وأدواتها، وذلك بغرض الضغط على الدول الأربع الداعية لمكافحة الإرهاب، في أفق تخفيف إجراءاتها السيادية ولهجتها والقبول بالجلوس إلى طاولة المفاوضات وفق شروط مقبولة ولا تُنقص من الصورة التي تريد أن ترسمها قطر على نظامها السياسي. لقد استغلت «الجزيرة» الأزمة الأخيرة لمواصلة دورها التحريضي من خلال استهداف مشبوه وخبيث لدول المقاطعة عن طريق نشر أخبار زائفة وتحليلات مبركة وإنتاج برامج على المقاس الهدف منها مواصلة الضغط الإعلامي على هذه الدول قصد الجلوس إلى طاولة الحوار والرجوع عن إجراءاتها السيادية تجاه قطر، وهو المعطى الذي ساهم بشكل كبير في إطالة أمد الأزمة وتعقيد مهمة، أصحاب النوايا الحسنة، وعلى رأسهم الوساطة الكويتية التي قادها الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح والذي حاول جاهداً تقريب وجهات النظر في أفق الطي النهائي لهذه الأزمة والتي لا زالت قطر تئن تحت وطأة ارتداداتها الاقتصادية والسياسية والمالية. من خلال ما سبق، يتبين للقارئ الكريم أن «الجزيرة» جعلت من نفسها، من جهة، أداة في خدمة أجندات التنظيمات الإرهابية والتي تسعى جاهدة لخلق مناطق للتوحش تقوم على إدارتها، بعد النجاح في الانتقال من مرحلة النكاية والإنهاك في حق الأنظمة العربية والإسلامية، ومن جهة أخرى وضعت نظامها وإعلامها و»إخوانها» رهن إشارة قوى إقليمية من ذوي الطموحات التوسعية الواضحة، والتي ركبت على أمواج الأزمة لتحقيق أحلام الخلافة وأوهام الإمامة في معناها السياسي الإخواني والصفوي. كما راهنت الدوحة على مخططات التخريب والتفكيك والتهييج، عبر استغلال منصة «الجزيرة» وذلك خدمة لأحلام التمكين السياسي الذي راود نظام الحمدين منذ الانقلاب على الحاكم الشرعي لقطر الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني -رحمه الله-. إجمالاً يمكن القول إنه عندما تم الإعلان عن إطلاق قناة الجزيرة في نوفمبر 1996، اعتقد الناس أن «شعلة إعلامية» سطعت من قطر على الوطن العربي المظلم، لتنقله من غياهب الجهل والبلادة وسيادة الرأي الرسمي الأوحد، إلى جنات الحرية في التفكير والتعبير، ولتعلم العرب فضائل الحوار المتحضر وكيفية الاختلاف في الآراء دون عداوة أو خصام. كما حاولت جاهدة ودون كلل أن تقدم نفسها كمنبر مستقل ومحايد، بدون ولاءات أو تبعيات، فقط هكذا، شمس للحرية سطعت فجأة على سكان الوطن العربي لتنير عقولهم وتحرر ألسنتهم، وتقربهم من شؤون بلادهم بنزاهة وتجرد وحياد، حتى يصير الحاكم شفافاً أمام المحكوم العارف، فتستقيم أمور الناس وتزدهر البلدان وتسعد الأقوام. لكن، ومباشرة بعد مرحلة «التمكين» الإعلامي للقناة، مرت الجزيرة لمرحلة نشر الفكر الإرهابي للقاعدة وداعش والإخوان، وتحت غطاء الاختراق والسبق الصحافي والكفاءة والمهنية دخل ابن لادن لبيوت العرب، واحتفل الإرهابيون، أمام شاشات الجزيرة دائماً، بسقوط برجي التجارة العالمية في هجمات 11 سبتمبر. وتحت غطاء الرأي والرأي الآخر و»اعرف عدوك» جلس الصهيوني على شاشة الجزيرة حول مائدة الأسر العربية، ثم تحت ذرائع تنوير العقول وتقوية القدرات وبناء الكفاءات وتحرير الشعوب وتحقيق الكرامة والحرية والازدهار، خيرت الدويلة، الدول بين الخضوع لطموحاتها التوسعية والهيمنية أو أن تسلط عليهم لسان دكاترة الجزيرة وضيوفهم «الخيرين الغيورين»، وكاميرات مصوريها المضحين المغامرين، فدعت للخروج على الحكام والثورة على الأوضاع وبناء الدول من جديد، تارة باسم الله وتارة باسم الحرية والعدالة الاجتماعية. واليوم، بعد أكثر من عشرين سنة على إطلاقها، ها هم داعش والقاعدة والإخوان يشكرون الجزيرة، بينما ملايين المكتوين بنار الفتنة والخراب والدمار والإرهاب تشكوها إلى الله، وتطالب بإغلاقها خدمة لأهداف الوحدة العربية والكتلة الإسلامية، وعزاءً لملايين الضحايا الذين كانت الجزيرة، بشكل مباشر أو غير مباشر، سبباً في نفيهم وهلاكهم وشقائهم. (إنَّ فِي ذَٰلِكَ لذكرى لِمَن كَانَ لَهُ قَلْبٌ أَوْ أَلْقَى السَّمْعَ وَهُوَ شَهِيدٌ). صدق الله العظيم أحد لقاءات (الجزيرة) مع ابن لادن التي تؤكد العلاقة الخاصة بينهما الجزيرة دائماً ما تستضيف متحدثين من الجيش الإسرائيلي لتبرير قتل الفلسطنيين أحمد منصور (الإخواني) يجري لقاءً مع الجولاني (القاعدي) Your browser does not support the video tag.