يشكل اختفاء الدراما الإذاعية في رمضان هاجساً مؤرقاً لدى المختصين في المجال الفني الإذاعي، بسبب افتقارها لأبسط مقومات العمل الرمضاني أولاً، ثم لأن الحس الإذاعي للدراما أصبح معدوماً بالكلية، وظهرت وجوه جديدة مؤدية للأدوار ولكنها غير قادرة على استيعاب النص وتقمص الأدوار، وبالتالي لا تستطيع إيصال فكرة العمل للمستمع، ويأتي ذلك رغم تحقيق الدراما الإذاعية الرمضانية بعض الجوائز التشجيعية على مستوى الوطن العربي. ورغم ذلك تبقى الدراما الإذاعية لدى جمهور كبير هي الأجمل، إن أحسن إعدادها، فمعها يقضي المستمع وقته -على الطريق- بلا ملل، وبأجوائها الممتعة ومفرداتها وأصوات مؤدييها، تمر المواقف في خياله وكأنها شريطاً مصوراً. لكن ذلك لم يكن كافياً لصناع الدراما الإذاعية للاستمرار فانصرفوا عنها، واتجه كثير من الكتاب والمخرجين والمنتجين إلى صناعة الدراما التلفزيونية، فما السبب وراء ذلك؟. عدم الاهتمام بالمؤهلين للحديث عن الدراما الإذاعية على نطاق أوسع، أوضح سلطان النفيسة -وهو ممثل إذاعي له أكثر من 30 عمل درامي إذاعي- أنه "بالرغم مما حققته الدراما الإذاعية على مستوى الوطن العربي والفوز ببعض الجوائز على مر السنوات، إلا أن الإنتاج الإذاعي قل في السنوات الأخيرة وانعدم في آخر سنتين وخاصة أنه لا ينتج الأعمال الدرامية الإذاعية إلا محطة أو محطتين فقط، إن عدم الاهتمام الواضح بالدراما الإذاعية وعدم الاهتمام من ناحية الإنتاج والنصوص والممثلين المؤهلين إذاعياً أدى إلى افتقار الإذاعة إلى أبسط مقومات العمل الرمضاني". وأنكر النفيسة على عدد من الممثلين حديثي التجربة بالأعمال الإذاعية بقوله "إن الزج بمؤدين حديثي عهد بالدراما الإذاعية خطأ كبير، فعدم امتلاك أبسط مقومات فن الدراما سيحيل العمل لا محالة للفشل، العمل الوحيد الذي يمكنهم فعله هو قراءة النص دون حس درامي، ظناً منهم بأنه يشبه العمل الدرامي التلفزيوني وقد يعود السبب لعدم تأهيلهم بكفاءة واقتدار"، داعياً إلى الاهتمام بشكل أكبر بالأعمال الدرامية الإذاعية وخاصة من المهتمين بالتأليف والكتابة لمضاعفة الجهد للحصول على مخرجات أفضل ذات صياغة ومضامين أمثل نوعاً وكماً. ضعف حضور من جانبه لا يرى خالد النويس -المهتم بالشأن المسرحي– بأن الدراما الإذاعية اختفت ولكنها ضعفت في حضورها، وقال "لا أسميه اختفاء بل ضعف حضور لدى المستمع، وسبب ذلك من وجهة نظري هو افتقاد الإذاعة لعنصر الصورة من ناحية، إضافة إلى زمن السرعة من ناحية أخرى، حيث لا تستطيع أن تتابع في سيارتك أو في منزلك عملاً إذاعياً إلا ما ندر، رغم أن هناك أعمال يبذل فيها جهد كبير في التأليف والإعداد والإخراج واستقطاب النجوم المميزين إلا أنها لا تجد النجاح المتوقع داخلياً وتحظى بالجوائز والتميز خارجياً في المسابقات والمهرجانات العربية المتخصصة، وقد يعود السبب إلى أن لجان التحكيم تقيمها بالمعايير الفنية وليست بالجماهيرية". ويواصل النويس "للأسف أن كثيراً من المنتجين أصبح جل همه أن ينفذ العمل في شهر رمضان، وساعده في ذلك توجه بعض الإذاعات لتركيز الأعمال الدرامية في رمضان ما جعل هناك تسرعاً في تنفيذ وإنهاء العمل وتسليمه دون مراجعة للأخطاء الفنية أو غيرها، وهنا عندما يشعر المستمع بتلك الأخطاء فإنه يأخذ انطباعاً بأن كل الأعمال الإذاعية على حد سواء". وأكد النويس على ضعف أداء الوجوه الشابة الجديدة على الساحة الإذاعية، بقوله "لا شك بأن قلة القراءة والاطلاع ومعرفة فكرة العمل وسبر أغوار الشخصية إضافة إلى استعجال الشهرة من الأسباب التي تجعل الوجوه الجديدة غير قادرة على استيعاب العمل الدرامي، وبالتالي عدم فهم المحتوى والهدف والفكرة وينعكس ذلك على أداءه في ضعف قدرته على إيصال رسالة العمل للمستمع بالشكل الصحيح، وهنا يأتي دور الاحتكاك بالخبرة في هذا المجال من كبار الممثلين الإذاعيين وكثرة التدرب على التلوين الصوتي والتحكم بالطبقات وإتقان مخارج الحروف وغير ذلك من الأمور التي يجب على الشباب إجادتها قبل الوقوف خلف المايك لمجرد الكلام والسلام كما هو الغالب حالياً". الهدف مادي في حين يرى محمد الغايب -ممثل تلفزيوني وإذاعي ومسرحي- بأن الدراما طالما تحقق جوائز تشجيعية على مستوى الوطن العربي فهي موجودة، ويقول "هناك جوائز إذن هناك حضور للأعمال الدرامية الإذاعية ولكن يبقى السؤال هل هذا الاستحقاق عن هذه الأعمال عن اقتدار أم لمجرد الترضيه"، ويعود الغايب بالذاكرة بقوله "استقطبت سابقاً الأعمال الدرامية الإذاعية شريحة عريضة من الجمهور ممن يعشق الاستماع للبرامج عبر موجات الأثير، حيث تمكنت في غضون سنوات قليلة وعبر قنوات مدروسة من أن تتسيد هذا المجال وتبني قاعدة عريضة من الجمهور، كما انفردت بجانب ذلك بأداء الاسكتشات التمثيلية والمسلسلات الموجهة للمناسبات الرسمية في شهر رمضان وفي غيره من الشهور، ولكن من يتابع الأعمال الإذاعية الحالية يتأكد بأن الهدف من العمل الدرامي هو الربح المادي السريع مما أدى إلى تذبذب في القيمة وتفاوت في الجودة مما شكل انعطافاً خطيراً للدراما الإذاعية بعد أن أخذ دفة أعدادها شخصيات جديدة على الإعداد الإذاعي لمجرد تحقيق الكسب المادي". سلطان النفيسة: الزج بحديثي التجربة ساهم في ضعف المسلسلات الإذاعية خالد النويس: في زمن السرعة لا وقت للدراما محمد الغايب: الرغبة في الربح المادي السريع أدت إلى ضعف الجودة Your browser does not support the video tag.