أثار قرار الرئيس الأميركي دونالد ترمب بشأن الانسحاب من "الاتفاق النووي" مع إيران سلسلة من ردود الفعل الدولية والإقليمية، ودعت الحكومات المجتمع الدولي والدول المشاركة في الاتفاق النووي إلى الاستجابة لموقف ترمب لإخلاء منطقة الشرق الأوسط من الأسلحة النووية وغيرها من أسلحة الدمار الشامل، وذلك من أجل الحفاظ على الأمن والاستقرار الدولي. وقال مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون - في بيان تلقت "الرياض" نسخة منه -: إنّ القرار واضح جداً، وأعتقد أنه بيان قوي عن العزم الأميركي على منع إيران من الحصول على الأسلحة النووية وأيضاً على القدرة على توصيل الصواريخ الباليستية. يحد هذا القرار من دعم إيران المستمر للإرهاب وما يسببه من انعدام الاستقرار والاضطرابات في الشرق الأوسط. وأكد بولتون أن هذه الصفقة كانت معيبة في الأساس كما قال الرئيس، لا تحقق ما تدعيه، لا تمنع إيران من تطوير أسلحة نووية قابلة للإنتاج، وتسمح لإيران بمتابعة تطوير تقنيات مثل تخصيب اليورانيوم وإعادة معالجة البلوتونيوم. تسمح لهم الصفقة - حتى لو كانوا ملتزمين بها - بزيادة أبحاثهم وتطوير إمكاناتهم على تطوير قدراتهم النووية. بكل بساطة، تعالج البعد العسكري لتطلعات إيران بشكل غير كافٍ على الإطلاق. خلافاً للممارسة الأساسية لاتفاق تحديد الأسلحة، لم يكن ثمة إعلان خط الأساس. في الواقع، نفت إيران باستمرار امتلاكها السابق لبرنامج عسكري. هذا مكرس في قرار مجلس الأمن رقم 2231. وكما رأينا من البيانات التي جمعناها من قبل والتي ناقشتها إسرائيل الأسبوع الماضي، هذا غير صحيح. بالإضافة إلى ذلك، لا تضم الاتفاقية أي حكم تفتيش ملائم يسمح لنا بأن نثق بأننا كشفنا عن مختلف الأنشطة النووية الإيرانية. ثم عندما ننظر إلى النظرية وراء الصفقة القائلة إنه لو تمكنا من التوصل إلى اتفاق للحد من طموحات إيران النووية ستغير سلوكها على مستوى عالمي أكثر، نجد أنها ثبتت كغير صحيحة على الإطلاق. لذا بخلق هذا الواقع الجديد والإقرار بأنّ إيران قد استخدمت مسار المفاوضات، أي الفترة الطويلة التي أدت إلى الاتفاق، لزيادة قدرتها ومدى تطور برنامج أسلحتها النووية وبرنامج الصواريخ الباليستية، وواصلت ذلك منذ الصفقة في العام 2015م، فإن الطريقة الوحيدة المؤكدة للسير في مسار وقف إيران عن تطوير الأسلحة النووية وقدرات التسليم هي الخروج من الصفقة. وهذا ما قام به الرئيس ترمب. وأشار مستشار الأمن القومي الأميركي إلى أنّ تحديد موقع القوة للولايات المتحدة كان جانباً آخر من الانسحاب الذي تم الإعلان عنه اليوم، ولن يكون له تداعيات على إيران فحسب، بل أيضاً على الاجتماع المرتقب مع كيم جونغ أون من كوريا الشمالية. إنه يبعث إشارة واضحة جداً مفادها أنّ الولاياتالمتحدة لن تقبل بصفقات غير كفؤة وأنّ الرئيس يريد صفقة حقيقية. ما نطلبه وما سيبحثه الوزير بومبيو مع كوريا الشمالية يعتمد في جزء منه على ما وافقت عليه كوريا الشمالية نفسها للعودة إلى إعلان نزع السلاح النووي المشترك بين كوريا الشمالية والجنوبية للعام 1992، القضاء على كل من الخطوة الأولى والخطوة الأخيرة من دورة الوقود النووي وعدم تخصيب اليورانيوم وعدم إعادة معالجة البلوتونيوم. سنطلب أموراً أخرى أيضاً. وعن، ما الذي يمكن أن يحدث بعد 180 يوماً مع الشركات الأوروبية التي بدأت بالتجارة مع إيران، قال مستشار الأمن القومي الأميركي: إن القرار يفرض العقوبات التي كانت قائمة عند إبرام الصفقة، يعني ذلك أنه لا يُسمح بأي عقود جديدة في منطقة الاقتصاد التي تغطيها العقوبات. ستعلن وزارة الخزانة في الساعات القليلة المقبلة عما يسمونه الأحكام التدريجية التي ستطبق على العقود القائمة. سيكون ثمة فترات متفاوتة ينبغي تخفيفها داخل هذه العقود. ستمتد بعضها إلى ستة أشهر، بينما قد يبلغ بعضها الآخر 90 يوماً، قد يكون ثمة أحكام أخرى كذلك. وعن رد الفعل الإيراني المحتمل، قال محمد محسن أبو النور الخبير في الشؤون الإيرانية: إن إيران كما هو معروف لن تحرك أي ساكن أو جديد في الأمر، واكتفت بخطاب المظلومية وأنها هي الدولة التي تلتزم بالمواثيق الدولية، وكان هذا هو السيناريو المتوقع، وبالفعل إيران لن تنسحب وستُبقى على كل المكاسب التجارية والاقتصادية التي حققتها في السنوات الثلاث الماضية مع الدول الأوروبية، وستحاول تفادي العقوبات الأميركية عن طريق بيع النفط عن طريق السوق السوداء للدول الآسيوية البعيدة مثل الهند والصين، بالرغم من أن الرئيس الأميركي قد أعلن أن قرار العقوبات سوف يتضمن كل الدول التي تتعاون مع إيران وهنا إشارة واضحة للشركات الصينية والهندية والروسية وبعض الشركات الأوروبية التي لن تستجيب إلى قائمة وزارة الخزانة الأميركية، وعلى هذا الأساس أتصور أن رد الفعل الإيراني لن ينحسر إلا في العودة مرة أخرى إلى عهد محمود أحمدي نجاد ومحاولة التملص من تلك العقوبات القاسية هذه المرة، ومحاولة عدم تعامل الحرس الثوري مع شركات معلنة حتى لا تطال هذه الشركات العقوبات كما هو الواقع الآن. وشدد أبو النور في تصريحات ل"الرياض" أنه يعتقد أن الاتحاد الأوروبي لن يبقى إلى الأبد في صف إيران ما لم تقدم إيران تسهيلات إئتمانية ومقبلات اقتصادية حتى تبقى الشركات الأوروبية موجودة مع إيران لاسيما مع فشل المشروع الأوروبي الذي كان يريد استرجاع مشروع الاستثمار في الدول المحظور التعامل معها وهو كان مشروعاً أوروبياً في العام 1996م للتعامل مع كوباوإيران والدول المحظورة أميركياً، وعليه أتصور أن الموقف الأوروبي لن يبقى إلى الأبد في صف إيران وسوف تحاول أوروبا العودة مرة أخرى إلى الخط الترمبي مع التأكيد على أن هناك أيضاً احتمالية كبيرة لاتفاق عمل جديد للبرنامج النووي، ومن ثم يمكن القول إن اتفاقاً تكميلياً أو بديلاً سوف يحدث في الأسابيع المقبلة بضغط كبير جداً من أوروبا على إيران لأنها ستفقد كل المصالح التجارية في هذه البلد بعد هذه العقوبات الحاسمة جداً من ترمب. وقال محمد بني هميم الباحث بالمعهد الدولي للدراسات الإيرانية بالمملكة العربية السعودية: إن القرار بلا شك يصب في مصلحة الأمن الإقليمي واستقرار المنطقة والحفاظ عليها من انتشار أسلحة الدمار الشامل، لاسيما أن النظام الإيراني استفاد من الأموال المتدفقة عليه عقب الاتفاق النووي لتمويل أعماله العدائية المزعزعة لاستقرار المنطقة، وبالتالي القرار يعتبر تصحيح للإدارة الأميركية السابقة التي ترى أنها استطاعت أن تبدد المخاوف من المشروع الإيراني وأن توقف الأطماع الإيرانية في امتلاك السلاح النووي بعكس الإدارة الحالية التي ترى أنه أسوأ اتفاق وقعته الولاياتالمتحدة وأن إيران كانت هي المستفيد الحقيقي من هذا الاتفاق. وأكد بني هميم ل"الرياض" أن الأيام القادمة قد تشهد العديد من العقوبات الاقتصادية من قبل الولاياتالمتحدة على إيران، وقد يصر الاتحاد الأوروبي على عدم الانسحاب من الاتفاق مع إيران، ولكن دعوة ترمب للشركات الأوروبية للخروج من إيران والتهديد بفرض عقوبات عليها حال عدم الاستجابة ذلك قد يسرِّع من عملية استجابة الدول الأوروبية للضغوط والمطالب الأميركية، وهذا سينعكس على إيران على الصعيد الداخلي لاسيما في الأمور الاقتصادية وهو ما سيجبرها على الانسحاب من الاتفاق. ولف الباحث المصري في الشأن الإيراني علاء السعيد، إلى أن الاتفاق لا يتيح للدول القائمة في الاتفاق التفتيش على المنشآت النووية ما أدى إلى تنامي إيران في إنتاجها وزيادة قدرتها في الصواريخ الباليستية طويلة المدى التي تم استخدامها في اليمن ضد المملكة العربية السعودية، مؤكداً أن جهود المملكة العربية السعودية في الفترة الأخيرة وتحركاتها الدبلوماسية على مستوى أوروبي، ومستوى أميركي هي ما أثمرت عن هذه النتيجة، مشيراً إلى أن إيران في حالة مرتبكة الآن وحديث روحاني الأخير كان من الواضح جداً أنه بصوت مرتعش وكان يعوّل على الدول الأوروبية ويستجديها في طيات حديثه للبقاء على الاتفاق، وتاجر بالقضية الفلسطينية في الموضوع الذي لا يخص أبداً فلسطين. وبخصوص تداعيات قرار الانسحاب الأميركي، قال السعيد: إن زيادة العقوبات ستجعل الشعب الإيراني يعيش تحت ضغط اقتصادي كبير جداً، وسيزداد الشعب الإيراني فقراً، وستنخفض العملة الإيرانية، وبالتالي إيران في موقف محرج جداً أمام العالم كله وأمام شعبها. وأشار السعيد إلى أن ترمب في طيات حديثه أكد على أنه عقد العزم على إسقاط نظام الملالي في إيران، وعلى الجانب الآخر من المتوقع أن إسرائيل ستقوي شوكتها في الجولان وستتمادى لاحتلال أراضي أخرى سورية، فبمجرد انتهاء خطاب ترمب قام الطيران الإسرائيلي بطلعات جوية في الشمال الإسرائيلي، وعززت أميركا وفرنسا وبريطانيا قواتها داخل منطقة الشرق الأوسط منذ يومين، وبالتالي هناك احتمال لضربات عسكرية ضد إيران، لأن إيران في الوقت الحالي تكاد تكون انتهى أمرها بالنسبة للاتفاق، لأن أميركا هي الاتفاق وليست أوروبا. وشدد د. أحمد الشاذلي أستاذ الدراسات الإيرانية في جامعة المنوفية بمصر، على أن إعلان ترمب لم يكن مفاجأة، بل كان قد تم التمهيد له منذ عدة أشهر، وللأسف الاتفاق في الأصل منح إيران فرصة لتطوير برنامجها، وخروج أميركا المنفرد من الاتفاق سيكون له تأثير محدود على الرغم من أنها الشريك الأقوى في هذا الاتفاق ولو استتبع ذلك خروج باقي الدول الأخرى ربما يكون التأثير أكبر من ذلك، فالاتفاق منح إيران فرصة لتخصيب اليورانيوم ومنح الاقتصاد الإيراني انتعاشة بسبب رفع العقوبات ومنحها الفرصة في التوغل في بعض الدول كالعراق وسورية واليمن ولم يكبل أيدي إيران في التوغل شرقاً وغرباً، وسوف يؤدي انسحاب أميركا إلى انسحاب دول أخرى على الرغم من أنها تبدو حتى الآن - فرنسا وبريطانيا وألمانيا وروسيا - غير راغبة في الانسحاب، وهذا الانسحاب سيؤدي للضغط على إيران لتعديل بعض بنود الاتفاق وربما يكون هذا الهدف من انسحاب أميركا. وأكد الكاتب العراقي نزار جاف المتخصص في الشأن الإيراني، ل"الرياض" أن الانسحاب الأميركي يمكن اعتباره خطوة باتجاه تقليم أظافر طهران التي صقلها الاتفاق النووي الهش الذي لم يمض عام عليه حتى بدأت إيران بانتهاكه وفي نفس الوقت تفسير العديد من بنوده المطاطية بما يتفق والرؤية الإيرانية. وقال جاف: إن هذا الاتفاق الذي صب في مصلحة طهران من مختلف النواحي وعوضاً من أن يتم استخدامه وتوظيفه للجم وتحديد النفوذ الإيراني في منطقة الشرق الأوسط الحساسة، فإنه قد توسع بعد الاتفاق مباشرة بحيث صارت تشكل خطراً وتهديداً حتى على المصالح الغربية في المنطقة، كما إن استمرار إيران في تطوير برنامج الصواريخ الباليستية وعدم إذعانها للمطالب الدولية بالكف عن ذلك خصوصاً بعد أن بدأت تزود أذرعها في المنطقة بها، يكشف عن النوايا المبطنة المريبة لها. ومن الواضح أن التصريحات والمواقف الرسمية الإيرانية المعلنة ضد الولاياتالمتحدة فيما لو أعلن ترمب انسحابه من الاتفاق النووي، تدل في خطها العام على الخوف والضعف أكثر من أي شيء آخر، وإن النظام القائم في إيران يشعر الآن بالخوف أكثر من أي وقت مضى وإنه لو قام مثلاً بتوجيه ضربات للمصالح الأميركية في المنطقة فإن هناك سيناريوهات رد "مؤلم" جداً بانتظارها خصوصاً إذا ما انتبهنا بأن الأوضاع الداخلية لغير صالح النظام وإن اتجاه الأوضاع الاقتصادية للمزيد من التدهور بحسب ما سيؤدي الموقف الأميركي، سيقلب الشعب الإيراني أكثر ضد هذا النظام الذي أدخله في معمعات ومواقف وأوضاع بالغة. وأوضح د. سفيان عباس التكريتي، المختص في جرائم الإرهاب والجرائم ضد الإنسانية في القانون الجنائي الدولي، أن قرار الانسحاب من الاتفاق النووي يعني الكثير، أهمها أن الإدارة الأميركية السابقة والضعيفة قد ارتكبت الخطأ الاستراتيجي الجسيم والمدمر للمصالح الأميركية في الشرق الأوسط، بعد أن استغل نظام الملالي الفاشست ضعف الرئيس الأميركي أوباما في التعامل مع هذا الملف الخطير مما دفع بالدكتاتورية الإيرانية إلى مد نفوذها على أربع دول عربية واحتلالها بصورة مباشرة عن طريق الميليشيات الشيعية الإرهابية، والاستمرار في تطوير القدرات النووية سراً بالرغم من الاتفاق مع "5 + 1" والتي انكبت هي الأخرى على مراعاة مصالحها الضيقة دون اعتبار لمصالح شعوب المنطقة مما أدى إلى إذكاء أعمال العنف في عموم الشرق الأوسط من خلال دعم نظام الملالي للمنظمات الإرهابية بكل إمكاناته المادية واللوجستية على حساب الشعب الإيراني الذي يعاني الأمرين في تبديد ثرواته القومية على نزوات النظام التوسعية والطائفية العنصرية، إضافة لهذا الخرق للاتفاق فإن النظام قد خرق جوهر الاتفاق بعد أن استمر في تطوير وتصنيع الصواريخ الباليستية واستخدامها من قبل الميليشيات الإرهابية العميلة لقصف السكان المدنيين في المملكة العربية السعودية، لذا فإن قرار الانسحاب الجريء للرئيس ترمب قد وضع النقاط على الحروف في بداية النهاية لأبشع نظام إرهابي في التاريخ. Your browser does not support the video tag.