من أمتع الكتب التي يمكن أن تقرأها، هذا الكتاب، قبعة فيرمير للكاتب الكندي تيموثي بروك. بروك أستاذ في جامعة برتش كولومبيا الكندية، متخصص في تاريخ الصين، له العديد من الكتب في هذا الموضوع، لكن الممتع في كتابه الشهير والأكثر قراءة من بين كتبه الأخرى هو هذا المزج الرائع بين الفن والتاريخ. في كتابه قبعة فيرمير الذي ترجمه د. شاكر عبدالحميد لمشروع كلمة التابع لهيئة أبو ظبي للسياحة والثقافة، ينتقل بروك بخفة وسلاسة بين الفن والتاريخ، وهو يقرأ مجموعة لوحات للفنان الهولندي يوهانس فيرمير والذي يعرفه الكثيرون من خلال لوحته الشهيرة الفتاة ذات القرط اللؤلؤي والتي ذاع صيتها أكثر بين الناس بعد صدور فيلم عن رواية بنفس اسم اللوحة. لكن هذه اللوحة الشهيرة لم تذكر سوى بشكل عابر في هذا الكتاب الذي يأخذ بيدك ليطلعك على أسرار لوحات فيرمير، وكيف يمكن أن تتعرف من خلال تلك اللوحات على تاريخ تلك المرحلة من حياة الهولنديين وعلاقتهم بالصين. ينتقل بروك عبر الحديث عن القبعة التي يرتديها الضابط في اللوحة إلى الحديث عن القبعات التي كان يرتديها الهولنديون في ذاك الزمن إلى الحديث عن البنادق والطريقة التي كان يطلق فيها الفرنسيون بنادقهم على السكان الأصليين في كندا، وتطور صناعة البندقية وكيف كانت صناعة الأسلحة هي المتحكم في تاريخ الشعوب واحتلال أقوام لأقوام أخرى عن طريقها. في حديثه عن لوحة «امرأة شابة تقرأ خطاباً بجوار نافذة مفتوحة»، يركز بروك على طبق الفاكهة، الذي عبره يصل بنا إلى الصين، وتاريخ صناعة البورسلين الفاخر، وكيف كانت الصين تمثّل قمة الفن في هذه الصناعة المرموقة، وكيف يمكن أن تعرف مدى ثراء هولندي بمجرد اقتنائه لهذا النوع الفاخر غير المقلد من البورسلين الصيني القادم مباشرة من الصين، وكيف كان الأوربيون يحاولون تقليد هذه الصناعة كي يتمكن الأقل ثراء من شرائها وتزيين بيوتهم بها. يصل بحديثه عن فن صناعة الخزف الصيني والذي حمل اسمهم حيث نحن كما في الغرب نطلق على هذه المواعين الخزفية كلمة صيني، إلى الحديث عن ون جن هنغ الكاتب الصيني في القرن السابع عشر، والذي وضع كتاباً اسمه مبحث حول الأشياء الزائدة عن الحاجة، وهو كتاب يعلم أفراد الطبقة محدثة النعمة من الصينيين، ما ينبغي ومالا ينبغي لهم القيام به من أجل امتلاك الأشياء اللطيفة الجميلة وكيفية استخدامها. ونكتشف من بعض الفقرات التي ذكرها كيف أن الطريقة التي كان يستخدم بها الأوروبيون قطع الخزف الصيني تعد ذوقاً رديئاً عند الطبقة الصينية الرفيعة في ذلك الوقت. قبعة فيرمير، كتاب مذهل، يضم الفن والتاريخ والاقتصاد وعلم الاجتماع في خلطة ساحرة، يغمرك بمعلومات كثيفة تعرفها للمرة الأولى، بداية العولمة والعلاقة بين الصين وأوروبا، كل ذلك من خلال قراءة بضعة لوحات. Your browser does not support the video tag.