انتهت حرب التنظيمات الإرهابية في سورية بإزاحة «داعش» وغيرها عن خارطة المشهد السياسي والعسكري، ودخلت قوى الصراع الإقليمي والدولي في مرحلة جديدة من المصالح التي بدأت منحازة لفريق على آخر على الأرض، ومتوازنة إلى حد كبير على طاولة المفاوضات؛ لدرجة أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب أعلن قبل أسبوع عن سحب قواته من سورية، رغم تحفظ حلفائه على القرار وفي مقدمتهم إسرائيل. ولكن، استخدام النظام السوري الأسلحة الكيميائية في الهجوم على مدينة دوما بالغوطة الشرقية؛ أعاد الأزمة إلى المشهد السياسي مجدداً، وما يتبعها من ضربة عسكرية محتملة ربما ستكون أقوى من سابقتها قبل نحو عام؛ حينما أطلقت الولاياتالمتحدة 59 صاروخاً على أهداف محددة في قاعدة الشعيرات العسكرية الجوية قرب حمص بعد حادثة استخدام السلاح الكيماوي في خان شيخون. الأحداث متسارعة في سورية؛ فالرئيس الأميركي ألغى بصورة مفاجئة زيارته الأولى المقررة إلى أميركا اللاتينية من أجل الإشراف على الرد الأميركي على الهجوم الكيميائي في دوما، وروسيا استخدمت حق النقض «فيتو» ضد مشروع القرار الأميركي بشأن استخدام الأسلحة الكيميائية في سورية، وإيران تدين الحادث تحت الضغط، والنظام السوري في حال ارتباك واضحة بعد أن طلب متأخراً لجنة تحقيق من منظمة حظر الأسلحة الكيميائية، والغرب يندد بالحادثة، ومجلس الأمن يستنكر بشدة، والعالم يترقب، ويحبس أنفاسه. المشهد يوحي أن عملاً عسكرياً مقبلاً في سورية بمشاركة جماعية من حلفاء أميركا، ولن يكون محدوداً في أهدافه؛ فالرئيس ترمب على محك جديد من المواجهة ليس كسباً لأصوات داخلية، ولكن حتى تبقى أميركا أولاً، ويعني أن المهمة سوف تتجاوز التنسيق مع قوى الأرض المهيمنة روسيا؛ لتصل إلى أهداف عسكرية دقيقة لن تطيح برأس النظام، أو تغيّر في موازين المعادلة المتوافق عليها بعد قرار الانسحاب الأميركي، ولكنها ستضع حداً للنظام السوري، ورسالة لحلفائه من أن أميركا موجودة، وقريبة، ولن تغادر من دون أن يكون لها كلمة.. وموجعة أيضاً. ما بعد الضربة سيكون أهم من الضربة ذاتها؛ لاعتبارات كثيرة، أهمها على الجانب السياسي وصولاً إلى التسوية النهائية للأزمة، فلا عمل عسكرياً يدوم بلا حل سياسي في النهاية، وهنا يبرز احتمال عن مدى قدرة حلفاء الأسد على الاستمرار في النفوذ والهيمنة، وأولهم إيران، حيث يبدو أن إسرائيل لن تمكّن طهران من الاقتراب من حدودها، وبالتالي السيناريو المنتظر من الضربة العسكرية هو تحييد إيران عن المحيط السوري، وشل حركة الأسد على الأرض، وتوسيع هامش المناورة الروسية للتفاوض على الحل كطرف وحيد في الأزمة وليس عدة أطراف تعيش تحت الضغط. Your browser does not support the video tag.