الضربة الأميركية ضد قاعدة الشعيرات شرق حلب رداً على مأساة خان شيخون تبقى محدودة في أهدافها، ولن تقلب موازين العمل العسكري والسياسي بسرعة هناك، ولكنها رسالة بليغة وعميقة ومهمة في توقيتها، وتحمل مؤشرات جديدة، أهمها أن الرئيس ترامب أراد أن يبعث بها إلى الداخل لكسب التأييد الشعبي، وأيضاً للمجتمع الدولي كجزء من قوة وهيمنة وعدالة أميركا، وللروس تحديداً من أن القرار في سورية لا يزال يخضع للمساومة والمصالح، ورسالة أخيرة للرئيس السوري من أن مستقبله في الحكم مهدد، وربما لم يعد له مكان في المعادلة السياسية المقبلة. العملية وجدت ترحيباً دولياً، بل مطالب باستمرارها بعد سنوات من الصمت الأميركي المخجل على مجازر ووحشية النظام، وهي في جوهرها أبعد من كل ذلك؛ فالأمريكان مع وصول ترامب تغيرت استراتيجيتهم للمنطقة، والأزمة السورية على رأسها، وأهم هذه التحولات هو إقصاء إيران عن واجهة الحضور والتدخل في شؤون الآخرين، وتحجيم الدور التركي، ومساومة الجانب الروسي على الأرض وليس فوق الطاولة، إلى جانب تعزيز دور حلفاء أميركا للعب دور أكبر في توازنات المنطقة إقليمياً، ومكافحة الإرهاب كلمة السر في تقييم أداء الحلفاء ودعمهم. أميركا علّقت الجرس في سورية، واتخذت من استخدام النظام المجرم للسلاح الكيميائي وسيلة مشروعة قانونياً وإنسانياً للتدخل، والانفراد بقرارها خارج مجلس الأمن، وتؤسس مع ذلك مرحلة جديدة من انتقال السلطة في سورية والتدخل على الأرض على غرار تجارب سابقة مع النظام العراقي السابق؛ الذي اُتهم بحيازة واستخدام الأسلحة الكيميائية وكانت مبرراً لاحتلال العراق، وهنا يبرز السؤال التالي: هل الأسد اتخذ قراره منفرداً باستخدام السلاح الكيميائي، أم كان مدفوعاً لفعل ذلك؛ ليقع في فخ مواجهة العالم بانتهاك القانون الدولي وعلى رأسها أميركا؟، والجواب يثير تساؤلاً آخر: هل حلفاء الأسد تخلوا عنه؟، ووجدوا أن مصالحهم أهم وأكبر من بقائه؟ ما يمكن قوله حالياً أن الأزمة السورية في منعطف مهم، والأمريكان وصلوا إلى قناعة أن القضاء على الإرهاب يبدأ من إزاحة نظام بشار الأسد، وقطع يد إيران التدميرية في المنطقة، وعزل روسيا عن القرار الأحادي، وجرّها إلى حسابات جديدة تتخلى فيها عن الأسد مقابل مصالحها في مياه البحر المتوسط. الموقف السعودي من الضربة الأميركية كان واضحاً ومنحازاً مع الشعب السوري الذي عانى كثيراً من ظلم واستبداد بشار الأسد، ولم يتأخر أو يتردد في التعبير عنه، بل كان شجاعاً في توقيته مثل ما هي شجاعة ترامب في تنفيذه.