أكد د. سعد الراشد مستشار الرئيس للتراث بالهيئة العامة للسياحة والتراث الوطني، أن عرب الجزيرة العربية كان لديهم رصيد من التراكم الحضاري والثقافي والسياسي أهّلهم للتفاعل والتكيف مع المجتمعات في الأقطار التي وصلوا إليها، مشيراً إلى أن طرق التجارة في الجزيرة العربية شكلت شبكة للتواصل الحضاري والاقتصادي والثقافي قبيل الإسلام، ليس في إطار الجزيرة العربية ومنافذها البرية والبحرية فحسب، بل مع مدن القوافل والحواضر الأخرى في بلاد العراق والشام ومصر وجنوب شرق إفريقيا. وأوضح في ورقة بعنوان "الآثار والفنون الإسلامية.. نظرة حول العناية بمواقع التاريخ الإسلامي في المملكة العربية السعودية" ألقاها مؤخراً في "مؤتمر الفن الإسلامي في مواجهة التطرف" بمكتبة الإسكندرية في مصر، أن أسواق العرب كانت تكتظ بأنواع التجارات والصناعات المتنوعة مما أنتجته مدن وحواضر جزيرة العرب، وما جلبته قوافل التجارة براً وبحراً من البلدان المجاورة، ومن السلع المحلية والوافدة التي حملتها القوافل، لافتاً إلى أن أشهرها سوق عكاظ الذي تبلور فيه مزيج من التلاقح والانسجام بين قبائل العرب والوافدين المشاركين في تلك التظاهرة الاقتصادية والثقافية. مشيراً إلى أن جزيرة العرب تقاطعت عليها طرق التجارة، وكانت جسراً للتواصل بين جنوب جزيرة العرب وشمالها وبين آسيا وإفريقيا، حيث إن الرسول -صلى الله عليه وسلم- كان يتردد على سوق عكاظ وعلى عدد من أسواق العرب في الجاهلية، وبعد نزول الوحي، وظهور الإسلام كان يعرض على القبائل العربية في مواسمهم الدين الإسلامي. ونوه الراشد بوجود تتابع للحضارات في الجزيرة العربية عموماً، وأرض المملكة على وجه الخصوص، حيث تشمل المساحة الكبرى من خارطة بلاد العرب، مشيراً إلى التطور في مرحلة انتقالية لجزيرة العرب في النواحي المعيشية والعلمية والثقافية الزراعية والاقتصادية وإنشاء المدن والبلدات والقرى، فضلاً عن تشييد المنازل والدور والقلاع والحصون والسدود والعيون والآبار، ونهضة في الصناعات والحرف، وبناء المساجد والجوامع والمصليات في كل موضع للاستيطان والاستقرار السكاني من جزيرة العرب، من عصر صدر الإسلام مروراً بما تلاها من عصور. وقال:"تم استثمار الموارد الاقتصادية ذات القيمة العالية وفي مقدمتها مواقع المعادن من ذهب وفضة ونحاس وحديد، وأحجار كريمة، وغيرها. وفي خضم النقلة النوعية والتحول الذي شهده عرب الجزيرة من بداية الإسلام، كانت المدينتان المقدستان مكةالمكرمة والمدينة المنورة، في مقدمة المدن وحواضر جزيرة العرب احتضاناً للتحول الفكري والعمراني، وتهوي إليها أفواج الحجاج والمعتمرين، وزوار المسجد النبوي الشريف، والتجار والباحثين عن الرزق من داخل الجزيرة العربية، ومن الأقاليم التي وصل إليها الإسلام. وساعد على ذلك طرق الحج والتجارة التي تم هندستها وتزويدها بالمرافق والخدمات بمستوى لم تشهده جزيرة العرب من قبل. وأضاف:" وفي هذا الخضم من التحول في الإطار الحضاري كان الحرمان الشريفان قلباً نابضاً باحتضانهما، آلاف الدارسين والباحثين في علوم القرآن والتفسير والحديث والتاريخ والمعارف الأخرى، ويلتقي فيها الفارسي والبخاري والعراقي والشامي واليمني والمغاربي والأندلسي ومن كل فج. وكان لتطور الخط العربي في هذا التحول في مكة والمدينة والحجاز وأنحاء جزيرة العرب، أثره الكبير في نشر المعارف وخاصة في كتابة المصاحف ونسخها، وظهور مدارس الخط في الحواضر الإسلامية، وكان الحرف العربي أداة معرفية برزت بعناصره الزخرفية في المخطوطات والعمارة الإسلامية، وفي مقدمتها المساجد الكبرى في الإسلام". Your browser does not support the video tag.