كنت أقرأ مجلة اليمامة في وقت مبكر، مع أن وصولها إلى المدينةالمنورة، كان متقطعاً، لذلك كنت أوصي أخي الذي كان يعمل مدرساً في جدة، ليرسلها لي، كلما وجد فسحة من وقته، وأنا أسأل نفسي الآن، ما الشيء الذي كان يجذبني لمجلة حجمها عبارة عن نصف جريدة، وموادها في الغالب من تجهيز مجموعة بسيطة من المحررين المتفرغ الوحيد من بينهم للعمل الصحفي هو رئيس التحرير، وبعض موادها من الثوابت التي لا تمت للعمل الصحفي بصلة؟ إلا أنني كنت أتابع فيها مقالات لكتاب يراهم ابن الخامسة عشرة من لا بسي ثوب الفلاسفة والمفكرين، ومن أبرز هؤلاء أو من ضمنهم، كان «علي العفيصان» رحمه الله، وكان أبرز ما في الصورة التي تنشر مع مقالاته، عينين واسعتين، وملامح جادة، وحالما وصلت الرياض بعد ثلاث أو أربع سنوات، بدأت التعرف على «العفيصان» ، لتنسف تلك المقابلة كل ما كونته عنه، من انطباعات، فقد وجدته حاد الملامح، لكن قلبه قلب طفل، طيب، خجول، ودود، مهتماً بالتصاميم الصحفية والفن بأشكاله كافة، أكثر منه اهتماماً بالفكر أو الفلسفة، وكان رحمه الله يعيش أعزب حتى وفاته! وكان عندما تعرفت عليه يسكن شارعاً فلكلورياً، سكنت في مرحلة من عمري في أحد أطرافه، هذا الشارع كان اسمه شارع الغنم! وكان «علي العفيصان» رحمه الله يجد عناية خاصة من محمد الشدي، رئيس التحرير آنذاك، حتى إنه على حد ما أذكر، كان يذهب للبحث عنه في منزله بذلك الشارع الفلكلوري، فلم تكن الجوالات قد اخترعت، ولم يكن في منزل علي هاتف، ورغم ذلك الاهتمام وتلك الرعاية كان علي يكرر الغياب! وقد قيل أن غياب علي المتكرر، يعود لحيائه وإحساسه بالذنب، لغيابه من دون مسوغ، وكان لكل هذه العناية معنى واحد وهو أن علي وقد قيل إنه من شدة خجله وإحساسه بالذنب أنه عندما يغيب يوماً لظرف ما يواصل غيابه حتى تعضه الحاجة فيبحث حينذاك عمن يشفع له عند صاحب العمل ليعود، وكثيراً ما نسمع عبارة «ادخل يا علي»! ونعرف أن هذه الكلمة آتية بصوت عمنا الكبير الأستاذ محمد حسين زيدان -رحمه الله- الذي يدخل علينا يتقدمه عكازه وخلفه أو بجانبه علي العفيصان، وتشعر أن تركي السديري -رحمه الله- رئيس التحرير الذي عانى كثيراً من غياب العفيصان وغيره من المبدعين لا حول له ولا قوة أمام شفاعة الزيدان، والسؤال كيف يجد العفيصان الزيدان؟ الذي يقيم بصورة دائمة في جدة ولا يزور الرياض إلا في فترات متباعدة ليشرف على مجلة الدارة وكيف يعرف العفيصان أن للزيدان أبوة وهيبة لا تقاومان وكيف يلتقط أخبار وصوله للرياض ومكانته عند تركي السديري؟ هذه أسئلة عجزت عن الوصول للإجابة عنها لكن العفيصان لا يلبث بعد هذه الجاهية بأيام أن يكرر الغياب ويكرر القدوم بصحبة الزيدان حتى مات العفيصان الفنان الهادئ ذي العينين الواسعتين والذي لم يتزوج ولم يدرس ومع ذلك فقد كان خامة فنية عالية في وقت شحت فيه المواهب وندر الموجه والباحث عنها. جدير بالذكر أن عدم الالتزام حال تكاد تكون شائعة لدى أغلب المبدعين. إن فوضاهم الحياتية معادلها الموضوعي إجادتهم في أعمالهم التي يتصدون لها. Your browser does not support the video tag.