أصدر شاب اسمه عبدالرحمن بن جفين القحطاني كتاباً بعنوان توصون شيء ولاش. دخل هذا الكتاب تاريخ البلاد الثقافي مع الباب نفسه الذي دخلت معه العباءة وملابس المرأة. يسمح التاريخ للأحداث الكبيرة أن تأخذ مكاناً في سجلاته، ولكنه إكراماً لنا صار يسمح باستقبال القضايا التافهة التي لا تتجاوز قيمتها صفراً. لم أقرأ الكتاب، ولكن ليس لرأيي قيمة عندما يتعلق الأمر بحق الناس في النشر وكتابة ما يرون وحرية توزيع أعمالهم وتسويقها في أي مكان. الحرية فضاء يتسع للجميع. أي مطالبة تحت أي ادعاء بقضم شيء من الحرية هو منافٍ لحقوق الإنسان. الشاب عبدالرحمن إنسان حر له الحق أن يعبر عن رأيه بالطريقة التي يراها وينشر كتابه عند أي ناشر يقبل نشره وأن يتم توزيع هذا الكتاب في معرض الكتاب جنباً إلى جنب مع مؤلفات ستيفن هوكينق. لا أرى نفسي في المشاغبات الشعبوية؛ ولكن لأن هذا الرجل ما زال شاباً وهذا عمله الأول عليه أن يعرف أن هناك آلافاً من الكتاب والمثقفين على استعداد أن يقفوا معه لحماية حريته في التعبير وحماية حقه في الجلوس على منصة التوقيع ليلتقي قراءه ومحبيه. معرض الكتاب سوق مختص بالكتب. كمعرض الأدوات المنزلية ومعرض السيارات ومعرض الكمبيوتر.. إلخ. يحجز الناشر حيزاً، يعرض فيه الكتب التي يريد تسويقها (لا أحد يسأله عن قيمة كتبه الفنية). المعرض للترويج والبيع وليس مكاناً لتقييم الكتاب أو نقده. في حال أن معرض الكتاب يقتصر على مؤلفات النخبة إذا علينا أن نحدد نخبة الزوار الذين يسمح لهم بدخول المعرض بحيث نمنع الذين طالبوا بمصادرة حق عبدالرحمن في الترويج لكتابه لجهلهم بأبسط حقوق الإنسان وحرية التعبير. في بداية المملكة الحديثة كان نظام المطبوعات يسمح للكتاب بدخول البلاد دون رقابة باستثناء عدد من الكتب محددة. لكن مع تفشي ثقافة أوروبا الشرقية في العالم العربي انقلب الوضع، أصبح أي كتاب يدخل البلاد في حاجة إلى (فسح) من وزارة الإعلام. رغم سوء هذه الإجراء الإداري إلا أن قيمة الكتاب واحترام المجتمع له لم تسمح لهذا القانون بالتغول، حتى جاءت الصحوة وأدخلت معايير منع غير مسبوقة. انتصب ما يعرف بالأخ الأكبر فامتدت عيون الرقيب إلى القيمة الإبداعية ذاتها. هذا الشعر غامض وهذا الشعر نثر.. إلخ. أعمال يجب منعها لكيلا تفسد علينا ذائقتنا الشعرية. فاضطر عشرات من كتاب الحداثة إلى الهجرة القسرية إلى بيروت والقاهرة. الحملة على أبو جفين تنذر أن محتسبي الصحوة الذين كانوا يجوبون معارض الكتب خلعوا ثيابهم القصيرة وانقلبوا إلى محتسبين باسم الثقافة. يسعون إلى توسيع صلاحيات الرقيب فأدخلوا معياراً رقابياً جديداً. هذا تافه وهذا سخيف وهذا صبياني. في النهاية يطالبون وزارة الإعلام أن تكون مسؤولة عن الوعي وحراسة الذوق العام. سوف نفسد يا معالي الوزير إذا لم تتولّ وزارتكم أمرنا. اقترح على هذا الشاب إذا أراد أن يقدم خدمة تاريخية للثقافة والحقوق في بلاده أن يرفع دعوى تعويض قضائية على كل من طالب بمصادرة حقه في المشاركة في المعرض وحرض على قمعه أو أطلق على عمله أوصافاً لا تليق. فرصة لهذا الشاب أن يسجل سابقة تاريخية لحماية حقوق الإنسان الأصيلة. Your browser does not support the video tag.