لقد عدت إلى الرياض بنشاط وحماس شديدين عقب زيارة مكثفة إلى المملكة المتحدة من قبل صاحب السمو الملكي الأمير محمد بن سلمان، ولي عهد المملكة العربية السعودية. إن مثل هذه الزيارات تتطلب قدراً هائلاً من العمل للقيام بها بالشكل الذي يليق بأهميتها. وخلال الأسابيع التي سبقت الزيارة عمل وزراء ومسؤولون من كل من الديوان الملكي وويستمنستر سوياً بشكل مكثف ولساعات طويلة استمرت لساعات مبكرة من صباح اليوم التالي، حيث التزم الجانبان بنجاح الزيارة بشكلها الاستثنائي التي ظهرت به. وهذا الأمر حقيقي فيما يتعلق بكيفية عرض هذه الزيارة لتاريخ مملكتينا المشترك وأيضاً كيفية تحديدها لمسار تعميق العلاقات بين المملكتين في المستقبل. لقد قام سمو ولي العهد ببرنامج حافل اشتمل على الاجتماعات التاريخية مع صاحبة الجلالة البريطانية الملكة اليزابيث الثانية (التي تم تتويجها ملكة على العرش البريطاني في العام 1952 واستمرت في الحكم على مدار فترة حكم الملك عبدالعزيز بن سعود، جد سمو ولي العهد). ومساء ذلك اليوم اجتمع سموه مع صاحب السمو الملكي الأمير تشارلز، أمير ويلز، وصاحب السمو الملكي الأمير وليام، دوك كامبريدج. تجدر الإشارة إلى أن أفراد الأسرة المالكة في كل من البلدين يتمتعون بعلاقات تعود لعقود عديدة مضت، ومن الرائع البدء في المرحلة التالية من هذه العلاقة. ويجدر بي أن أشير بأنه جرت العادة أن تستقبل صاحبة الجلالة البريطانية رؤساء الدول أو رؤساء الحكومات فقط من الدول الأخرى ومن ثم فإن لقاءها مع سمو ولي العهد يعد شهادة على العلاقة الخاصة بين البيتين الملكيين. أطلق سمو ولي العهد ودولة رئيسة الوزراء البريطانية السيدة تيريزا ماي مجلس الشراكة الإستراتيجية البريطانية السعودية المشترك الذي سيوفر لنا قاعدة متينة للمناقشات المستقبلية ذات الأهمية البالغة لكلا البلدين على جميع الأصعدة ويشمل ذلك قضايا السياسة الخارجية والأمن والدفاع والاقتصاد والبنية التحتية والأعمال التجارية والثقافة والتواصل بين الشعبين. وفي اليوم التالي، عقد صاحب السمو الملكي اجتماعاً رائداً مع رئيس أساقفة كانتربري جستين ويلبي في مقره الرسمي في لندن، قصر لامبث. يعد رئيس الأساقفة الأسقف الأرفع مقاماً في كنيسة إنجلترا، وهي الكنيسة الرسمية للأمة ويعد قائدها الأساسي فضلاً عن كونه الرئيس الرمزي للطائفة الإنجليكانية حول العالم، حيث تمت مناقشة مجموعة من الموضوعات بما فيها الحوار بين الأديان والتسامح الديني. وخلال ذلك الاجتماع احضرت جامعة برمنغهام مخطوطة قرآنية يعتقد بأنها الأقدم على مستوى العالم ليطلع عليها سمو ولي العهد ورئيس الأساقفة. لقد أظهر تحليل الكربون المشع الذي قامت به جامعة أوكسفورد أن تاريخ المخطوطة التي كتب عليها هذا النص القرآني تعود إلى الفترة ما بين عامي 568 و654 مما يضع هذه الأوراق في وقت قريب لأيام النبي محمد عليه الصلاة والسلام، وتوجه سمو ولي العهد بالشكر لجامعة برمنغهام لرعايتهم المكرسة لهذه المخطوطة النفيسة حيث تم الاطلاع عليها إلى جانب مخطوط للديانات السماوية الثلاث. ونتطلع قدماً لإمكانية قيام رئيس الأساقفة ويلبي زيارة إلى المملكة. وشهد اليوم الأخير من الزيارة تقديراً وإقراراً بالروابط العسكرية المهمة والطويلة الأمد بين البلدين، وجرى البرنامج مع عقارب الساعة، وكان نتاج جهود فريق عمل مبهر من الجانبين العسكريين للطرفين، وقد تمت استضافة سمو ولي العهد وكبار الرؤساء العسكريين في أحد القواعد الجوية والتقوا بأكبر عدد من حرس الشرف وفقاً للبروتوكول العسكري، كما شاهدوا عرضاً لطائرات سريعة، وتم توقيع عدد من الاتفاقيات تتعلق بتقديم التدريب والتعاون الإضافي، فضلاً عن دعم المملكة المتحدة لرؤية 2030 وخلق فرص عمل في المملكة العربية السعودية. وبشكل مهم أتاح البرنامج لصاحب السمو الملكي لقاء المتدربين السعوديين ورجال الخدمة والطلاب العسكريين ممن يعملون ويتدربون في المملكة المتحدة إضافة إلى من يقومون بتدريب القوات المسلحة البريطانية مثل ذلك الطيار الشاب السعودي الذي يعلم الطلاب العسكريين في سلاح الجو الملكي. لقد كان يوماً لا ينسى لرجال وسيدات الخدمة البريطانيين الذين التقى بهم سمو ولي العهد. وعلى مدار الزيارة التي استغرقت ثلاثة أيام، اتيحت الفرصة لسمو ولي العهد للقاء الوزراء والبرلمانيين والإعلام الدولي والمبتكرين في مجال التكنولوجيا. وبشكل متزامن مع زيارة سموه عقد منتدى الرؤساء التنفيذين السعودي البريطاني والذي لاقى نجاحاً هائلاً وكان بمثابة حدث مبهر حقاً في منطقة ماى فير بقيادة الهيئة العامة للثقافة حيث أظهر صورة مقربة للمملكة العربية السعودية الحديثة عبر معرض فني وعرض أحد الأفلام علاوة على عروض موسيقية وعرض واقع افتراضي. ليس لدينا جميعاً الآن أي وقت للراحة، ونحن نسعى للمضي قدماً بشراكتنا وتنفيذ الاتفاقات التي تم التوقيع عليها في لندن، ويشمل ذلك مذكرات تفاهم تلزمنا بالعمل سوياً على مجموعة من الموضوعات انطلاقاً من التعليم مروراً بالطاقة النظيفة ووصولاً إلى الأمن السيبراني، حيث سيساهم العمل في العديد من هذه المجالات في دعم تحقيق رؤية 2030 بدعم من الخبرة والمهارات البريطانية، كما سيوطد العلاقات والازدهار لبلدينا. وعملنا أيضاً على ترسيخ التعاون المستمر بين وزارة التنمية الدولية البريطانية والصندوق السعودي للتنمية والسماح لكلا البلدين بمضاعفة تأثيرهما في معالجة بعض قضايا التنمية الأكثر أهمية عبر العالم، وأكد البلدان في بيان مشترك على أهمية العمل سوياً للوصول إلى حل سياسي للأزمة في اليمن والاستمرار في التعاون معاً لمعالجة الأزمة الإنسانية المستمرة استناداً على جهود المملكة العربية السعودية. لقد شاهد العالم المملكتين وهما ترسخان شراكتهما خلال فترة تغيير حاسمة وإعادة تعريف في كلا البلدين. إن الوقت الحالي يتسم بالاضطراب وستنمو أهمية صداقتنا فقط في وجه التحديات المشتركة التي نواجهها. *السفير البريطاني لدى المملكة العربية السعودية Your browser does not support the video tag.