يحدث في بعض الأحيان أن يختل التوازن الذهني ويؤثر على مستوى التفكير فضلاً عن انعكاسه على التصرف والسلوك. الإنسان المتسامح لا يمكن أن يتكيف مع هذه الخصلة الجميلة طالما أن التعصب جاثماً على فؤاده، التعصب نتيجة بدهية للمبالغة والإفراط في التأثر. الفكرة حينما يستقبلها الذهن حتماً لا توحي بقطعية الثبوت بقدر ما ينجح ضيق الأفق في إقفال المداخل والمخارج إزاء ما يفندها أو يضعف من مصداقيتها أو حتى مناقشتها، وبالتالي فإنها تبقى أسيرة لمضخة التعصب المقيت حينما يتضاءل الجانب المرن في النفس حيال قبول التصحيح، وغياب الشجاعة الأدبية في التراجع عنها لاسيما إذا تسمرت بالرأس، ومما يزيد الطين بللاً عامل الوقت، فكلما طالت المدة كلما اشتدت وطأة التشبث بالرأي وإن كان لا يمت للحقيقة بصلة، وأعطى الحديث القدسي القائل (دع ما يريبك إلى ما لا يريبك) درساً معنوياً بليغاً في لفظ الشكوك وتحري الدقة في القول والعمل والسعي إلى طريق الحق وبلوغه، منغصات مؤرقة تفرزها مضخة التعصب التي مافتئت ترهق الأذهان والأبدان، وعندما يتمكن التمييز ربيب التعصب المدلل من نشر بؤسه في العقول لاسيما العرقي أو القبلي فإنه لا يقل سوداوية وظلمة من حالة التعصب للرأي، الاستعلاء المقيت والنبرة الفوقية ترسيخ للجهل بكل معانيه، كل ينتمي إلى جذوره غير أن كبح جماح التحيّز طاعة للمولى عز وجل القائل في محكم التنزيل: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) الفخر الحقيقي يكمن في تعزيز القيم الرفيعة في حسن الخلق، في الكرم والجود، في الشهامة والمروءة، في المآثر الخيرة التي استقيناها من معين ديننا الحنيف، في حين تحتم المسؤولية الأدبية بهذا الصدد رفع المستوى الثقافي لدى الإفراد فلن تسقط هذه المفاهيم الخاطئة إلا بصوت الحق الذي يعلو ولا يعلى عليه، أضف إلى قائمة التعصب الذي أرجو ألا تقوم له قائمة التعصب الرياضي، فتجد البعض يبالغ في ميوله نحو فريق معين حينما تختطف العاطفة دور التعقل والاتزان، وفي ذروة الحماس والإندفاع. ناهيك عما يفرزه هذا الأمر من إرهاق معنوي، فمقدار الفرح في حالة الفوز سيقابله نفس المقدار في حالة الخسارة، وبالتالي فإن التأزم النفسي سيكون له بالمرصاد وما يخلفه من قلق وآثار قد تصيب الصحة بوجه عام. خلاصة الحديث: إن التعصب معضلة أخلاقية تتكئ على غياب التكافؤ في مقاييس الإدراك والمنطق حينما تحلق العاطفة خارج مدار التعقل والاتزان، فبات حرياً إخضاع المؤثرات لقرارات العقل الفطن وسيادة الحكمة وفي إطار واحة التسامح العملاقة. Your browser does not support the video tag.