ان من أبرز عوامل استقرار الأسر والعلاقة بين الآباء والأبناء إن لم يكن الأبرز هو عامل الشفافية إذ ان الصراحة والوضوح، سيسهمان في بسط الآراء وتداولها بشكل محدد، وفي ضوئهما يتم التصويب بإقناع بلوغا الى الغاية المثالية وبأساليب لينة تصل القلوب قبل العقول، القلب يحتضن العاطفة والعقل يحتضن الفكر والأسرة بطبيعتها متعاطفة، فالأب يحب ابنه أو ابنته والأم كذلك والأبناء يساورهم نفس الشعور تجاه آبائهم وأمهاتهم غير أن للأبناء عقولاً تفكر والمقاربة بين مايقبله العقل ويقره والقلب يكمن في المحتوي والصيغة، فالأب سيصل الي عقل ابنه عن طريق القلب وكلما زاد الصدر اتساعاً كان القلب ليناً مطواعاً في التقبل، وكلما ضاق كلما كان ذلك سبباً في الابتعاد والنفور مضموناً لاشكلاً وهذا في تقديري من اسوأ واخطر صيغ التربية ، أي انه حاضر بقلبه فقط وعقله يحلِّق خارج المدار لأن ضيق الصدر أدى إلى تضييق المداخل المراد عبورها وتسبب في عسر التواصل الفكري مما تسبب في الخروج من الدائرة التي حددها الأب وفقاً لمنطلقاته في حين أن خروج الابن من دائرة الأسرة الصغيرة يعني خروجاً عن الأسرة الكبيرة، وهكذا تخسر المجتمعات بعضاً من أبنائها نتيجة لتعثر التواصل بين الأطراف كما أسلفت وغياب التهيئة المناسبة لتلاقح الأفكار بأسلوب منهجي وموضوعي ، وفي ظل هذه العلاقة الشكلية تغيب القناعة لتتسع الهوة ويتخذ بعد المسافة وضعا أقرب الي التناقض منه الي التوافق، في حين أن بعض الأبناء ووفقاً للصيغة آنفة الذكر يعيشون في حالة تناقض دائم وانفصام يعزز عراه تشدد الأب وتساهل الأم، وهذه إحدى المعضلات التي مافتئت تنتج أجيالاً ضعيفي الشخصية إذ إن هذا الاهتزاز وهذا التباين بين شخصية الأب القاسي من جهة والأم من جهة أخرى سينعكس علي شخصية الابن أو البنت، الواقعين تحت مطرقة انتفاء الانسجام بين الأم والأب وسندان المجتمع الذي بطبيعة الحال لايقبل المخالفات، إن من أشد الأمور قسوة وأكثرها إيلاماً، حينما تسهم الأم في تمرير التجاوز من أبنائها خوفاً من سطوة الأب المتشدد الذي بات صدره ضيقاً الى الدرجة التي آلت إليه النتائج وعلى غير ما يتمنى لتتلقفه قوى الشر ويستميله اصحاب الافكار الضللة ليستغلوا هذه المسافة وغياب التواصل الفكري بين الآباء والأبناء ويعيدوا تشكيل شخصيته المهزوزة وفقا لأهوائهم وهكذا يكون الأبناء حطب الإرهاب البغيض والزج بهم في الدوائر المظلمة، ويسهل بالتالي استدراجهم لمعارك يعرفون أنها خاسرة قبل أن تبدأ المهم ان يموت بعيدا ويسلموا من الأذي اذي، حملوه فوق ظهره في حين أن وقودهم في ذلك قصور الفهم وضعف الإدراك واستغلال جفاء وقسوة الأب ، إن تعرية من يعملون في الخفاء لحقن الشباب وتأليبهم ضد أهليهم بهذه الأساليب الموغلة في التسطيح وتحييد الأبعاد القيمة لدين الإسلام الخالد من الضرورة بمكان، اعوان الشر ما برحوا يجرّون الويلات على المسلمين في مشارق الأرض ومغاربها فضلاً عن تشويه دين الإسلام الخالد ، ويجيد هؤلاء الشياطين اللعب على تضييق الأفق وحبس العقول في نطاق محدود لا يتجاوز عنصر التزهيد بالدنيا وكره الحياة والناس معها، التنطع والرؤية القاصرة تضعفان من سماحة الدين وتنالان من المسار الناصع للدعوة التي بنيت على أسس ثابتة، يعزز من استمرارها وتوهجها قوة الدين بنصوصه الواضحة الصريحة، ودلالاته المعرفية الثاقبة والتي تعنى بكل شؤون الحياة وتنظيمها في إطار من التوازن بلا إفراط أو تفريط، فكان الوعيد الشديد لمن قتل نفسه عدا عن خلود من قتل مؤمنا متعمدا في النار وغضب الله عليه ولعنه، فإذا كانت الحياة تستحق كل هذا الاهتمام والمحافظة عليها وعلى الحرث والنسل، في ديننا الكريم (ومن أحيا نفساً فكأنما أحيا الناس جميعاً) فهل بعد كل هذا الأمر يأتي من يستهين بها وبساكنيها إلى هذا الحد المخجل والمؤسف في ذات الوقت ؟ إن التعقل في هذه الأمور الخطيرة يوجب الحذر وعدم الانسياق خلف مكامن الجهل المظلمة والتي تغرق في النظر إلى المجتمعات من زاوية أضيق ما تكون بعداً عن الاستقامة والاتزان فيما لايزال الفهم القاصر يسوق الشباب إلى حيث الانتهاك المعنوي للقيم، من هنا وبلوغاً الى مجتمعات تصبو الى طرق المعالي بأفكار أبنائها النيرة والمستقاة من ديننا العظيم من خلال الآباء، والأمهات ووسائل التربية والتعليم، فإن التأسيس للتواصل بين الأب والأم والأبناء والبنات من الأهمية بمكان ويتأتي ذلك عبر سعة الصدر النقاش الذي يغلفه الهدوء وتغشاه السكينة، لتتمكن الصراحة من بسط دورها علي النحو المرضي، وأن تؤخذ الأمور بتؤدة وروية وقبول آراء الأبناء والبنات بأريحية لما للاعتبار من مكانة في النفوس، وإذا مكنت الاعتبار من معانقة أصحابه وفق احترام شخصية الابن اوالبنت فإنك ستظفر حتماً، بأبناء أقوياء على الحق يستعصي على الأشرار استمالتهم واختطاف افكارهم لبناء مجتمع قوي مترابط متماسك، الغلظة في القول أو العمل لم تكن قط وسيلة مناسبة للإقناع والتأثير، بل إنها أقرب من ذلك إلى التنفير، وتعطي انطباعا مغايرا لسماحة هذا الدين، اسأل الله بأن يكون الرفق واللين والتسامح ما نتسم به في أقوالنا وأعمالنا انه على كل شيء قدير.