عادة لا نجد رئيس دولة عظمى يعلن عن تطوير وإنتاج أسلحة متقدمة باعتبارها شأناً سرياً من مهمات الاستخبارات فقط، لكن الرئيس الروسي كسر القاعدة عندما قال إن بلاده تملك ترسانة متقدمة من مختلف الأسلحة تتفوق على ما تملكه أميركا.. الرد الأميركي اعتبر الأمر مجرد دعاية تسبق الانتخابات الروسية وأنها تراقب كل عمل من هذا النوع، وحتى لو رأينا أن التراشق مقدمة لحرب باردة هي قائمة فعلاً على الأرض السورية بين عدة أطراف تتحالف مع الدولتين، ولعل ذكريات الحرب الباردة التي كادت أن تفجر حرباً نووية بسبب الصواريخ النووية التي نصبها السوفييت في كوبا، وكذلك ما سبق هذه الأزمة من حروب في الكوريتين والاعتداء الثلاثي على مصر، وحرب فيتنام وغيرها، مثل حرب النجوم التي عجلت بزوال السوفييت، كلها تغذي تقاسم النفوذ في العالم. اختفى الصراع الأيديولوجي الرأسمالي - الشيوعي، وانتهت أسطورة حلف وارسو، ولم يعد حلف الأطلسي بذات الأهمية، وأصبحت روسيا دولة سعى الغرب لتفكيكها، لكن وصول «بوتين» للسلطة غيَّر الكثير من المعادلات حيث ركز أعماله على محاربة الفساد وإعادة الهيبة للجيش والقضاء على تمرد الشيشان، فتحول إلى قيصر جديد جعل من بلده قوة مختلفة عن العصر السوفييتي حيث نهج اقتصاداً رأسمالياً، ودولة شبه ديموقراطية، وظهرت على السطح اتهامات لروسيا تلاعبها بالانتخابات الأميركية عبر اختراقات تقنية عالية لا تزال تواصل هجومها على مؤسسات ودوائر حساسة، وهي لعبة تؤكد أن عدم الثقة بين البلدين مستمرة.. هل أصبح العالم أفضل من الماضي أثناء الحرب الباردة أم أن التحولات الجديدة في مراكز القوة ستعيد سيرة هذه الحرب من خلال أكثر من معسكر، حيث إن المخاوف الغربية من صعود الصين، والهند سيضع الشرق موقع التجاذب إذا عرفنا نزاعهما التاريخي، وربما تحدث تحالفات بين أميركا والهند وأوروبا، مقابل تحالف روسي - صيني، وماذا عن بقية دول العالم سواء من تسبح في الفضاء الأميركي أو الصيني، وهل تتنازل واشنطن عن عرش هيمنتها، أم دواعي العصر ستجبرها على التنازل عن هذه السيادة بحكم واقع جديد؟.. أسئلة كثيرة يضعها معظم المحللين بأن انقلاباً كونياً في مسار الأحداث ويرون أن الرادع النووي فرض سلاماً دائماً لأن مبادئ توازن الرعب والتدمير المتبادل، أزيحت بسبب صعوبة انتصار أي بلد أو تحالف على آخر.. حياد الصين الحالي سيكون مؤقتاً، لأنها لم تصل بتسلحها إلى أميركا وروسيا، ولكنها في الجانب الاقتصادي تدخل سباقاً هائلاً، وتطلعها للعب دور آخر سيفرض عليها أن تدخل نادي القوى العظمى عسكرياً، لأنها تشكك بنوايا الجميع، ولدواعي حماية أمنها لا بد أن تملك سلاحاً موازياً لما تملكه تلك الدول، وفي هذه الحال ربما تنشأ حرب باردة بأدوات قد تجعل الأمن العالمي رهينة أقطاب لا تتلاقى أهدافهم دائماً.. Your browser does not support the video tag.