مع مَنْ سيبدأ سباق التسلح الأمريكي والذي كشفت صحيفة واشنطن بوست أن الكلفة تصل حالياً إلى (350) مليار دولار لتحديث ترسانتها النووية وأساطيلها وصواريخها، وقد تزيد الكلفة هذا الرقم، وهذا يكذب مشروع نزع هذه الأسلحة بينها وبين روسيا؛ بل إن هذا التطور يعني أن أمريكا تريد أن تبقى على القمة في التسلح، لكن السؤال لمواجهة مَنْ إذا اعترفنا أن انهيار الاتحاد السوفيتي بدأت أسبابه من سباق حرب النجوم، وهو ما أعجز القوة العظمى اليسارية أن تجاريه.. صحيح أن قوى قادمة بدأت تتشكل وتدفع بأرقام ميزانياتها لتطوير أسلحتها المختلفة، حيث إن الصين تأخذ دور القوة العظمى اقتصادياً وسياسياً وعسكرياً، لأن القاعدة المتعارف عليها بامتلاك القوة ليس الاقتصاد وحده، فألمانيا واليابان وبعدهما كوريا الجنوبية قوى اقتصادية عظمى وتنافس أوروبا وأمريكا، لكنها بلا أسنان نووية، أو قواعد منتشرة في العالم، بل تعيش في ظل الحماية الأمريكية، والصين، وكذلك الهند تنطلقان من هذه الحتمية التي تفرض أن تحمي المنجز الاقتصادي دروع عسكرية متقدمة.. أوروبا لن تنافس على سباق كهذا للعديد من الأسباب؛ لأنها تمر بظروف مادية حادة تجعلها تركز على المنتجات غير التقنية العسكرية ذات المصاريف الهائلة، بنفس الوقت هي جزء من حلف الأطلسي التي تقوده أمريكا، لكن السؤال هل نظرة أمريكا لتحديث ترسانتها، وبهذه المبالغ الهائلة، وهي التي لم تسلم من الأزمة المالية أخذت بحسابات تنامي القوى الجديدة في آسيا، وأن الصورة بعد عقد أو اثنين لن تكون زاهية وأن حرباً باردة في الطريق أن تتجدد مع قوى، وليس معسكراً شرقياً، لأن عيون الصين على محيطها لا تخفيه تطلعاتها الاستراتيجية التي تخطط لها، والهند لن تكون خارج الحسابات فهي تخشى الصين، ولا تختلف عن تقديراتها لحجم قوتها في المستقبل مما يضعها على الخط الساخن مع جار كبير وهائل في إمكاناته المادية والبشرية.. الروس قد لا ينظرون للأمر وكأنه حرب نفسية وضغوط تريد أمريكا مواجهة خصمها القديم الذي يحتل الدرجة الثانية من حيث التسلح التقليدي والنووي، فقد تكون مضطرة أن تدخل السباق، وربما تنشأ تحالفات بين قوى ظلت على عداء دائم كأن تندمج مع الصين بزواج التجربة الروسية مع الإمكانات الصينية، لتكوِّن المعادل لحلف الأطلسي، وقد ينفتح العديد من الأبواب لسباق تسلح جديد قد يكون أعضاؤه قوى لم تكن بالواجهة.. لكن ما هو هدف أمريكا جر العالم بالعودة إلى حرب باردة جديدة، هل لتأكيد الذات بأنها القوة المطلقة في كل الأزمنة، أم تريد إدخال الصين وروسيا والهند إلى هذا السباق لإرهاق ميزانياتها لتذهب بدلاً من التنمية الشاملة إلى السلاح، وهي التي تعاني أزمة في بنيتها الأساسية؟ كل الاحتمالات واردة، إذ سيشهد العالم حالة جديدة في موازين الرعب، إذ مع التقدم العلمي والقفزات الهائلة في الحواسيب، والتنافس المفتوح، ستجعل البشرية عرضة لانقلاب في القوى مما سيترك العالم بلا سلام دائم..