هل خروج أصوات أميركية مثل وزيرة الخارجية السابقة بعهد بوش الابن "كونداليزا رايس" بدأ يتجه إلى نقد سياسة أوباما في الشرق الأوسط وبأنها كارثية وستخلق أضراراً كبيرة للدولة العظمى، أم أن هذا يقع ضمن تنافس الحزبين، في وقت تعالت فيه مثل هذه الأصوات من القريبين حتى للرئيس الأميركي ومن داخل فريق عمله؟ تراجع الهيبة الأميركية لم تكشفها الأوضاع السورية وحدها، وإنما تخلي أوباما عن تلك الخطابات والوعود أثناء تسلمه الرئاسة حتى أنه في الخطاب الذي ألقاه في جامعة القاهرة، اتهم بأنه مسلم متستر، بينما ما نراه الآن، لا نرى في تصرفه أي شيء من تلك المقدمات لعالم مسالم يُعطى حقوقه، ولعل الاختبار الأهم جاء في جزيرة القرم التي أصبحت جزءاً من الاتحاد الروسي وفقاً لآخر استفتاء، بينما كل ما نوت عمله دول حلف الأطلسي المقاطعة الاقتصادية والتضييق السياسي بينما المدرسة السياسية الجديدة "لبوتن" الفعل لا الالتفات للانذارات، ولعله القادم من ال "كي - جي - بي" والثقافة الماركسية الواسعة، يعلم أن الظروف تغيرت، وأن رمزية القوة الأميركية لم تعد كما كانت بعد الحرب العالمية الثانية التي أسقطت في النهاية الاتحاد السوفييتي، وإنما هي سياسة قائمة على واقعية جديدة، هي أقرب للعزلة أو البيات الشتوي الطويل. القضية لا تتعلق بالانسحاب من الشرق الأوسط والتفرغ لقضيتي إيران وفلسطين، وإنما كيف ينعكس هذا الواقع الجديد على حلفاء أميركا في كل دول العالم، وخاصة من تتواجد في بلدانهم قواعد عسكرية كبرى ولعل الأصوات اليابانية الحيية، والتي بدأت تظهر تذمراً وخوفاً من المواقف الأميركية، الدعوة إلى بناء القوة العسكرية الذاتية، وهي المحظور عليها التسلح، لكن الدعوة أخذت بعداً وطنياً شاملاً بأن أميركا قد تتخلى نهائياً عن حمايتها أمام تزايد قوة الصين، وقد يجري الأمر مع كوريا الجنوبية التي تماثلها بالشعور والمخاوف، وربما نجد دولًا أخرى مثل ألمانيا تريد المساواة مع غيرها في استغلال قوتها العسكرية أسوة في بريطانيا وفرنسا، وأيضاً تحسباً لانسحاب أميركا من مواقعها الإستراتيجية الأخرى. روسيا حتى مع نفوذها الجديد وبروز صورتها العالمية كقوة عظمى، إلاّ أنها ليست مهيأة لأن تكون المعادل لأميركا، أو حتى للصين، لكنها قد تعيد هيبتها ونفوذها في شرق أوروبا وآسيا الوسطى حيث لا يزال قيصر الكرملن يأمل ويسعى أن يعيد شظايا الاتحاد السوفييتي إلى المركز، وهي قد لا تكون أحلاماً لو امتلك قوة ضاربة اقتصادية وسياسية تكمل القوة العسكرية، وقد لا تكون رؤيته بعيدة عن بعض الواقع حين يجد أميركا أضعف من الماضي، وقد تتسع الرؤية لتحالف روسي - صيني لتشكيل محور جديد يدير ملفات آسيا وأوروبا، خاصة وأن الاتساع الجغرافي الروسي وإمكاناته المتعددة مغرية للصين في الدخول في تحالفات تفرزهم كلاعبين أساسيين في عالم ما بعد غد. في السياسة الأميركية لم يعد البقاء أو الانسحاب من الشرق الأوسط هماً وإنما نظرة الحلفاء لها وهم يرون أوكرانيا تجربة جديدة في كسر العصي في وجوه المتخاصمين، إذ لا تزال روسيا تملك وسائل الضغط وعلى أوروبا الغربية والشرقية معاً، إذا ما بدأ استخدام سلاح الاقتصاد ليكون عنوان المعارك القادمة، وقد ينفي هذا التصرف كذبة العولمة وتشريعاتها ليدخل الشرق والغرب في حرب أخرى هي مزيج من السياسة والاقتصاد، ولكن بدون تحريك البوارج أو إعلان حالات الطوارئ، وهذا ما قد يغير المعادلات ليس فقط في محيط أصحاب الخصومات ولكن في عالم جديد بدأ يتشكل ويضع قوى غائبة لسنوات طويلة، أقطاباً جدداً بأدوات أخرى وسلوك آخر بدأت معالمه تخرج للعيان.