لن تكون اجتماعات جنيف (2) حول سورية أقل سوءاً من الاجتماعات الطويلة حول السلام العربي - الإسرائيلي، وهذه المرة رغم أن الطرف في القضية سوري داخلي، إلا أن العصمة بيد أمريكاوروسيا، وبعيداً عن مؤثرين آخرين مثل أوروبا والصين.. خلف الأبواب المغلقة تجري تقويمات ورسم أهداف لمراحل قادمة في المنطقة كلها، فقد خرجت أمريكا من جميع المنافذ لأنها دخلت مستنقعاً لم تعد تنفرد فيه أو يتقاسم معها الأدوار الاتحاد السوفياتي المؤدلج، ولم تكن أوروبا بنفس النفوذ المادي والعسكري، بل تحولت إلى ملحق في عربة القاطرة الأمريكية، وهذه الأسباب المجتمعة وفرت لروسيا غطاءً سياسياً للدخول في حلبة الصراع، وهي تطلعات قديمة في الوصول إلى تخوم المنطقة، لكن هل روسيا، من خلال الأزمة السورية والتي علقت آمالها عليها، يمكنها أن تكون مؤثرة في السياقات السياسية والتوجهات الأخرى لمجرد أنها نجحت مع حليفها الأسد والذي أصبح ورقة محترقة من أزمنة الحرب الباردة، ثم ماذا عن إمكانات روسيا المتعددة، هل تؤهلها لدور يملأ الفراغ الأمريكي؟ الحقيقة تنفي ذلك لأن ما تملكه روسيا، هو الأسلحة فقط، وهي عدا سلاحها النووي لا تقارن تقنياً حتى بأوروبا، وهنا يأتي السؤال الطارئ والجديد، ألا تكون أمريكا نصبت فخاً للروس بمغريات المنطقة، وأنها ستغرق كما تورطت هي، في رمالها وجغرافيتها السياسية المعقدة، وبما يشبه حرب استنزاف طويل أعجزت أمريكا ذات الإمكانات الهائلة والتي تتجاوز روسيا بسنوات ضوئية؟ سورية حاضرة على الطاولة في جنيف، ودرجة الحرارة بين المتحاورين وحتى الأفكار والرغبات متغايرة، حين نرى أمريكا تتعامل معها ببرود أعصاب وبدون حماس يذكر، في الوقت الذي روسيا تريد أن تظهر للعالم من خلال هذا البلد بأنها زعيمة أخرى تريد أن تحتل المكان المناسب لحجمها وقوتها، لكن الرسم على الرمال، غير الرؤية البعيدة لأحوال المنطقة حتى لو حدثت تحالفات روسية - إيرانية بدواعي المصلحة المشتركة، إلا أن إيران ترى بوصلتها تتجه لأمريكا وأوروبا، وروسيا مجرد فزاعة ترفعها أمامهما، لكنها تجد نفسها مع القوى الكبرى، لا مع دولة تصنف بالعالم الثاني من حيث التأثير والتأثر.. سورية نموذج عربي لتراكم الأحداث المتعاقبة والمعقدة، وفك طلاسمها لن يُحل بالنفاثات في العُقد الروسية، وإنما بالضغوط الأمريكية التي جلبت الائتلاف لطاولة المباحثات، وأفضل المتفائلين يجد في المؤتمر مجرد تسلية لا تستحق المغامرة، وخاصة من الجانب الأمريكي الذي يريد أن يحوّر القضية إلى منافسة سياسية قد تطول، ولا يهم إذا كانت نتائجها غير مؤثرة عليها لا أمنياً، ولا كلفة مادية وعسكرية.. اللعبة تدار بنفَسين أحدهما دافئ يقترب من البرودة، وآخر حار يغلي وهو روسيا التي تريد النتائج السريعة، ومع ذلك فلا تزال المعركة تدور خارج جغرافيا الدولة المأزومة، لأن تصفية الحسابات بين غريمين لن تأتي بصفقة؛ لأن كل ما يحيط بسورية متوتر، ولكن لجعل روسيا تدخل معتركاً جديداً قد يكلفها الكثير، ولا يمنحها أي ميزة تضعها في ميزان القوة العظمى..