من رحمة الخالق بنا أن سخر لنا كل ما يكسر الملل، فقد قدر لنا حياة تناسب طبيعتنا الإنسانية الملولة المتذمرة.. كيف ذلك؟ أوجد الله لنا فصولاً أربعة تمر على كوكبنا وتتنوع مع هذه الفصول الأجواء والملابس والأطعمة والنفسيات والروتين. يحل بنا فصل الربيع فيضفي بهجة وخضرة وحيوية، يعقبه فصل الصيف حرارة مرتفعة واجساد ملتهبة ونفسيات متوترة، ثم خريف تتساقط فيه الأوراق ودرجات الحرارة تمهيداً لبرودة قادمة، ورابعهم شتاء وتجمد وبرودة قاسية يحلو معها الطعام والشراب والدفء. إن لنا كذلك في أنفسنا فصولاً أربعة نعيشها وتلازمنا طوال العمر فنحن في الحقيقة أبناء تلك الأرض طبيعتنا متماثلة مع طبيعتها لذلك نحتاج ما تحتاجه ليستقيم عيشنا على ظهرها. يتمثل ذلك في مراحلنا العمرية فعندما نكون شباباً فإننا في مرحلة الربيع التي نثمر فيها في جميع جوانب حياتنا ننجب الأولاد ونعمل بكامل طاقتنا ونتمتع في هذه المرحلة بالصحة والقوة والمشاعر المتدفقة يحدونا الأمل بمستقبل كربيعنا، ولكن سرعان ما نرحل عنه إلى مرحلة أخرى وكأن الزمن سرق منا دون أن نشعر. ثم ننتقل بعدها لمرحلة الصيف التي تواكب منتصف العمر تشتد فيها الضغوط والمسؤوليات الأسرية والعملية والمالية ويتولد عن هذه الضغوط بعض المشاكل الصحية والنفسية وأيضاً الكثير من الإنجازات. وبعد فترة من الزمن ننتقل لمرحلة الخريف التي يبدأ معها تساقط المهام والمسؤوليات عن أكتافنا تدريجياً كما تتساقط أوراق الشجر في الخريف. تتسارع الأيام لندخل مرحلة الشتاء التي تتمثل في حاجتنا الملحة للشعور بدفء المحبة وصفاء المشاعر والتقارب الأسري والوحشة من برودة الوحدة والجفاء والخوف من عدم القدرة على مقاومة قسوة برودة الشتاء النفسي والجسدي. أي أن الغالبية منا يمر بفصول أربعة كأرضنا تماماً.. أما البعض منا للأسف فيعيش حياته فصلاً واحداً لا يحيد عنه فإما أن تجده يعيش في فصل الصيف قلقاً متوتراً مجهداً ويتجاهل جمال وروعة بقية الفصول.. ومنهم من قرر أن يستقر في فصل الخريف فتراه مستمتعاً وهو لا يحمل من مسؤولياته إلا أقل القليل فيعيش منتظراً النهاية فلا طموح ولا أهداف.. وهناك من اختار أن يقضي حياته كلها في فصل الشتاء، يعيش برودة المشاعر والوحدة متجنباً كل ما يعينه على إضفاء الحب والدفء على جنبات حياته. وكل هؤلاء الثلاثة مخالف للطبيعة مما يعني أنه سيعاني لا محالة وسيفقد لذة الحياة وجمالها وتنوعها بين السعادة، والشقاء، والقلق، وراحة البال.