أكتب الآن والعالم يغرق – أو يكاد – بأخبار سياسية سريعة ومتلاحقة، وأنا لا أنفي ولا أؤكد قدرتي على الغوص في التحليل السياسي، وترك باب الاحتمال مفتوحاً هو نوع من السياسة، أيضاً عدم إجادة الغوص في بحر السياسة العميق ليس مبرراً في الحديث عنها وبها وحولها، فأغلب المحللين السياسيين الآن يأتون بعد انتهاء الحدث ليثرثروا حوله بطريقة تحاول أن تكون شيّقة وأنيقة، من أهم الأسباب أيضاً أن التقنية جعلت السياسة سريعة جداً، فالمعلومة التي قد أكتبها الآن قد تصبح (بايتة جداً) عندما ينشر المقال بعد أيام، أيضاً مزاج المتلقي لم يعد يبحث عن خبر أو معلومة فقد ولى الزمن الذي يبحث فيه القارئ عن الخبر، وأصبح الخبر هو الذي يلاحق القارئ ويحاول أن يلفت نظره، مثلما كان البحث عن كتاب قبل سنوات مضنياً وشاقاً ومكلفاً، فأصبح الآن يأتيك (بضغطة زر)، وما عليك إلا السرية في البحث عن الكتاب كي لا يعلم المؤلف برغبتك في اقتناء الكتاب فيحضر كله (لينكد عيشتك) بقصّة الكتاب، ومأساته مع دار النشر والرقيب و"حماته" التي جعلتك تؤمن أن وراء كل ثرثار امرأة جادة تستحق الشكر. وعلى كل حال الحديث في السياسة يشبه حديث ناقد أدبي جمع الناس في سنة شديدة القحط ليحدثهم عن الجمال الفني في قصيدة البحتري (أتاك الربيع الطلق يختال ضاحكاً.. من الحسن حتى كاد أن يتكلما)، كل ما سبق، وما لم أستطع قوله يكفي أن يكون مبرراً لأن أتجاهل ما يجري من صخب سياسي حولنا –رغم أهميته – لأتحدث عن الأهم، وهو وطني في صحوته الجديدة، وطني الجاد والصادق، فقد مرت أسابيع وأنا في معمعة النشوة العظمى وأنا أرى وطني (يكافح الفساد) حرفياً وبكل ما تعنيه هذه الكلمة من معنى، فقبل سنوات كدت أن أصل لقناعة أن الحديث عن الفساد نوع من الفساد، حيث كنا نرى الفساد لكننا لا نعرف المفسدين، وكانت أي محاولة محفوفة بالمخاطر، ربما ألمها على النفس إن مجرد الشك بأنك قد تُبلّغ عن الفساد يعني أن تستفز عش الدبابير الذي لن يعد طريقة (نظامية) لتأديبك، كأن تجد العبارة الشهيرة (ينقل لمصلحة العمل) تأخذك لأرشيف مهجور بقريةٍ نائية، وتكون وقتها خسرت أي طريق للعودة، لأن (الواسطات) سيتوجسون من سمعتك (البطّالة)، الآن أصبح لا طريق للعودة للفساد، وأجزم أن هذه أهم خطوة لمكافحة الفساد، أعني أن يثق المواطن العادي بأننا حسمنا أمرنا، والرهان الآن على الشاب الذي يرى وطنه الحقيقي وحلمه في (نيوم، ومدينة البحر الأحمر)، ولعلي أتذكر مقولة برنارد شو: (مأساة العالم الذي نعيش به تكمن في أن السلطة كثيراً ما تستقر بأيدي العاجزين)، لأقول للشباب: نعم كنّا عاجزين، والآن أنتم قادرون على ذلك، لا سيما وأنتم بقيادة (صديقكم الشاب) الذي يحمل نفس طموحكم الأمير محمد بن سلمان، دعوكم منا ومن تنظيراتنا وتوجسنا وحكاياتنا المملة، يكفي أن أتخيلكم بعام 2030 وأنتم بمقدمة العالم، يكفي ذلك لأن أسمح لدمعة فرح بالحرية بعد أن حبستها لعقود.