لم تعد ظاهرة الفساد قضية مرتبطة في البلدان الأقل تطوراَ أو تلك التي تفتقد لسلطة القانون والمساءلة ولكنها أيضاً موجودة ومنتشرة في بلاد يسودها القانون والمساءلة وهو ما جعل من قضايا الفساد في رأس اهتمام السياسة والتنمية في العالم أكثر من أي وقت مضى بحثاً عن تحقيق الرفاهية الاقتصادية والتنمية المستدامة. فالفساد عدو التنمية الأول والمتسبب الرئيسي بالتباطؤ الاقتصادي والفقر في كثير من دول العالم ومنها دول نفطية تملك كل مقومات الثراء والرفاهية وأعلى معدلات التنمية والازدهار الاقتصادي لكنها دول تعج في الفوضى وشعوبها يشتتهم الخوف والفقر وكل ذلك بسبب اختطاف قرار التنمية لمصلحة المتنفذين وليس أوضح مثالاً لذلك من دول نفطية مثل إيران والعراق وفنزويلا التي تمتلك النفط وعضوية أوبك ويعيش شعوبها في خوف وجوع بلا ماء ولا كهرباء. إنه يضيع الثروة ويهدر الفرص تلو الفرص في استثمار الموارد وبسببه يحجم المستثمر وينحرف القرار للخيار الأقل كفاءة والأعلى تكلفة وتصبح النتيجة تضخماً وهدراً مالياً وبطالة وزعزعة للأمن واضطرابات سياسة لها بداية وليس لها نهاية. وقد ذكرت دراسات منشورة بأن دولة آسيوية نامية قد خسرت 410 مليارات دولار خلال العشرين سنة الماضية بسبب عوامل الفساد المنتشرة وهو ما يعادل 154 ضعف ميزانية الصحة الحالية في تلك البلد ويعادل 39 ضعف ميزانية التعليم و25 ضعف ميزانية البنية التحتية في تلك البلاد وهو ما يعبر عن حجم الفرص الضائعة بسبب الفساد. كما ذكرت تقديرات لمنظمة الشفافية الدولية بأن الحدود الدنيا للهدر بسبب الفساد قد تصل الى 30 % من الدخل القومي وأن الرشى في عقود مشروعات البنية التحتية تقدر ب 5 % إلى 25 % من قيمة العقود ويزيد ذلك كلما زادت حدة الفساد والمفسدين. وتواجه السعودية اليوم أكثر من أي وقت مضى في رحلة تحويل الاقتصاد من ريعي إلى اقتصاد منتج من خلال تنفيذ برامج رؤية السعودية 2030 مجموعة من التحديات الكبيرة التي تتطلب "الحزم" في مواجهتها والقضاء عليها للوصول إلى التنمية المستدامة. فكما استمرت السعودية في الريادة والقيادة في الجوانب الاقتصادية والسياسة العسكرية فقد قررت خلق بيئة تنموية واجتماعية وقانونية قاسية مع الفساد والمفسدين. ولا شك بأن الأمر الملكي بإنشاء لجنة عليها لمكافحة الفساد برئاسة سمو ولي العهد والقرارات التي صدرت عن اللجنة ضد مجموعة من الأشخاص تعني صراحة وبلا نقاش بأن الفساد أكبر وأهم الجرائم الاقتصادية التي تهدف الحكومة السعودية للتعامل معها بقوة وحزم لفرض النظام على الجميع دون استثناء بأسلوب الردع قائلة للجميع "السعودية أولاً". وبحكم أن اللجنة العليا لمكافحة الفساد والمشكلة بأمر ملكي غير ممثلة من قبل أي جهة قضائية فهذا يعني برأيي أنه بعد انتهاء أعمال اللجنة فسيتم إحالة من يثبت عليهم الجرم إلى القضاء للحكم عليه وهو ما يتماشى مع نص القرار الملكي الكريم.