لا شك في أن لأمريكا أهدافاً سياسية جلية من رفع السرية عن كمية ضخمة "ومنتقاة" من الوثائق التي حصلت عليها من حاسوب أسامة بن لادن خلال عملية القضاء عليه. لكن هذا لا ينفي أن لهذه الوثائق أهمية كبرى في اكتشاف جوانب كانت خافية، أو تقديم أدلة على افتراضات وقناعات مستقرة لدى الخبراء والمختصين، ولا سيما حول العلاقات الملتبسة بين القاعدة والنظام الإيراني. أسرار الإعلان وفقاً لما أعلنته واشنطن صودرت من مخبأ بن لادن 10 محركات أقراص صلبة، وما يقرب من 100 محرك أقراص صغيرة، و12 هاتفاً محمولاً، بالإضافة إلى مجموعة من أقراص الفيديو الرقمية التي تحتوي على ملفات صوتية ومصورة، وكميات من المواد المكتوبة بخط اليد، فضلاً عن مجموعة من الصحف والمجلات. وبعبارة أخرى فقد تضمنت الدفعة الأخيرة، التي نشرتها وكالة الاستخبارات المركزية الأمريكية في 1 نوفمبر 2017، نحو 470 ألف ملف، وتشمل الملفات مذكرات بن لادن الشخصية، ووثائق وتسجيلات صوتية وتسجيلات فيديو. يقول الخبير المعروف حسن أبو هنية: عندما أفرجت الولاياتالمتحدةالأمريكية عن الدفعة الأخيرة من وثائق ابن لادن، التي حصلت عليها بعد قتل بن لادن في 2 مايو 2011، عبر عملية خاصة نفذها فريق من أفراد الجيش (وحدة سيلز) والمخابرات الأمريكية (سي آي إيه) داخل منزله في منطقة "أبوت آباد" في باكستان، لم تكن تهدف إلى تعزيز الشفافية وتوفير فهمٍ أفضل لتنظيم القاعدة، وإنما لتقديم قراءة منتقاة للوثائق؛ تعمل على تفتيت ابن لادن وموضعته على مقاس الاستراتيجية الأمريكية، وتوظيف القراءة في سياق "حرب الإرهاب". وتأكيداً لنظريته يستعيد أبو هنية وقائع تسريب الدفعات السابقة التي أفرجت عنها واشنطن من وثائق ابن لادن، حيث استثمرت الدفعة الأولى التي نشرتها في 2/5/2012 – بعد سنة من مقتل ابن لادن - في الترويج لسياسة أوباما، والتبشير بنهاية تنظيم القاعدة، واستخدمت الدفعات الثانية والثالثة والرابعة لتعزيز الخلافات بين القاعدة وداعش. وتأتي الدفعة الأخيرة لاستثمارها في مواجهة إيران وهذه الدفعة جاءت عقب تراجع تنظيم "داعش"، والحديث عن هزيمته ونهايته، وبالتزامن مع الإعلان عن استراتيجية أمريكية تجاه إيران. وأوكلت مهمة قراءتها وتحليلها إلى مؤسسة تتماهى مع استراتيجية دونالد ترامب تجاه إيران، هي مؤسسة الدفاع عن الديموقراطيات، المعروفة بمواقفها المناهضة جداً لإيران، وجاءت قراءتها متطابقة مع النهج الاستراتيجي الأمريكي. فقد ركزت على العلاقة بين إيران والقاعدة، الأمر الذي دعا نيد برايس، وهو المستشار السابق للرئيس السابق باراك أوباما، إلى القول إن هذه الوثائق "لا تتضمن أموراً لا نعلمها من قبل". اغتيال الحريري من بين الوثائق رسالة مكتوبة في العام 2007 ليتم نقلها إلى أبو حمزة المهاجر مساعد أيمن الظواهري، ومنه إلى مساعدي أبو بكر البغدادي، الذي أصبح فيما بعد زعيم تنظيم داعش في العراق. ويقول مرسل هذه الوثيقة –اسمه الحركي: "أبو بصير" - في إحدى فقراتها المرتبطة بالأردني "أبو عاصم" والمخابرات السورية، إن أبو عاصم خرج من العراق إلى سوريا مع مهرب، لكنه وقع في يد المخابرات السورية، وهو يريد مساعدتكم. وتضيف الرسالة أن "المخابرات السورية تريد التفاوض مع تنظيم القاعدة، وهم مستعدون لفعل أي شيء مقابل ألا تقوم المحكمة الدولية بمحاكمة قتلة رفيق الحريري". وبحسب الوثيقة نفسها، اخترق النظام السوري التنظيمات الإرهابية وجنّد بعض أعضائها وكان يستخدمهم لتنفيذ مهمات معيّنة؛ من بينها الإفلات من المحكمة الدولية في اغتيال الحريري، وذلك مقابل إطلاق عدد كبير من معتقلي القاعدة في السجون السورية. غرام وانتقام وضمن الوثائق واحدة تتكون من 19 صفحة تحتوي على "تقييم" لعلاقة الجماعة مع إيران. ويوضح كاتب الوثيقة، وهو "من القيادات" أن إيران عرضت على تنظيم القاعدة "كل ما يلزم،" بما في ذلك "المال والسلاح" و"التدرّب في معسكرات "حزب الله" في لبنان، مقابل ضرب المصالح الأميركية في السعودية والخليج". ويتبين منها أن الاستخبارات الإيرانية قدمت تسهيلات لسفر بعض عناصر القاعدة بتأشيرات الدخول، بينما كانت تؤوي آخرين منهم فساعدت أبو حفص الموريتاني، قبل 11 سبتمبر، على إيجاد ملاذ آمن لرفاقه داخل إيران. ويوضح الكاتب أن القاعدة ليست في حرب مع إيران وأن بعض "المصالح تتقاطع،" وخصوصاً عندما يتعلق الأمر بالعداء لأميركا". ورغم الخلافات بين القاعدة وإيران والتي أظهرت الوثائق جانباً منها، فإن ابن لادن حذر رفاقه من إغضاب طهران!! وفي رسالة نشرت في وقت سابق، وصف ابن لادن إيران بأنها "الشريان الرئيسي للأموال، والموظفين، والاتصالات"، لتنظيم القاعدة. من جانبها، وعلى الرغم من بعض الخلافات، واصلت إيران لتقديم الدعم اللازم لعمليات القاعدة. إلا أن الوثائق تكشف أن تنظيم القاعدة خرق الاتفاقية مع إيران، وأدى عدم التزامه بها إلى اعتقال عدد من مناصريه من قبل الاستخبارات الإيرانية.