كشفت الدفعة الثانية من خطابات أسامة بن لادن التي ضُبطت خلال الغارة في مايو 2011 على المجمع الذي كان يقيم فيه في مدينة أبوت أباد الباكستانية والتي نشرها مكتب مدير الاستخبارات القومية الأمريكية عن وجود علاقة قديمة ومستمرة بين القاعدة وإيران. وتشير العديد من الخطابات بشكل مباشر إلى إيران باعتبارها أحد مصادر التمويل لتنظيم القاعدة. وعلى الرغم من أن عددًا كبيرًا من الخطابات البالغ عددها 113 التي رُفعت عنها السرية يتعلق بأمور عادية تخص أسرته وأعضاء بعينهم في تنظيم "القاعدة" في الخارج، تشير بقية الخطابات إلى أمور قتالية كالتعهد بمواصلة القتال حول العالم وكيفية السعي إلى تحقيق هذه الأهداف حتى بعد موت بن لادن. غير أن هذه الخطابات أعطت أيضًا فكرة أوضح حول العلاقة التي تجمع بين "القاعدة" وإيران. ففي خطاب يرقى إلى عام 2007 بعنوان "خطاب إلى كارم"، يقدم ابن لادن المبررات التي تستوجب عدم الهجوم على إيران قائلا: "إيران هي شرياننا الرئيس الذي يمدنا بالأموال والرجال وقنوات الاتصال، بالإضافة إلى مسألة الرهائن... لا يوجد ما يستوجب الحرب مع إيران إلا إذا اضطررت إلى ذلك". وينهى ابن لادن وبقوة عن أي هجوم ضد إيران، بل ويذهب إلى ما هو أبعد من ذلك فيحض أي عناصر طموحة في التنظيم على طلب المشورة أو الإذن أي مواجهة مع إيران. وهذه ليس المرة الأولى التي تظهر فيها دلائل عن صلة تجمع بين إيران و"القاعدة"، لكن هذا الخطاب يزيل أية شكوك على الإطلاق. تعاون مقابل حماية العتبات الشيعية من المعروف أن بعض أفراد أسرة ابن لادن يقيمون في إيران، ومن بينهم إحدى زوجاته، ويكشف الخطاب المعنون "خطاب إلى زوجتي" بعض الشيء عن مستوى جنون الريبة الذي كان ابن لادن مصابًا به، حيث أعرب فيه عن قلقه من احتمال إقدام طبيب الأسنان الذي كانت تتردد عليه زوجته في إيران على زرع شريحة تعقّب في أسنانها. وكان أحد أبناء أسامة بن لادن، وهو سعد بن لادن، أيضًا في إيران بصحبة الكثير من منسوبي "القاعدة" الآخرين، حيث شرعت السلطات الإيرانية في عمليات اعتقال طالت منسوبي "القاعدة" المعروفين، الذين كانوا يوضعون في أغلب الأحيان في رهن الإقامة الجبرية. وفي "خطاب إلى أبي نواف"، يكرر ابن لادن حقيقة أن هناك أفرادًا من أسرته موضوعون تحت الإقامة الجبرية في إيران، طالبًا بعض التنسيق لإطلاق سراحهم وتركهم يتوجهون إلى منطقة وزيرستان في باكستان. وفي "خطاب مؤرخ 7 أغسطس 2010"، يشدد ابن لادن على تجنب الضغط على الإيرانيين في مسألة الإفراج عن ابنه حمزة لكي يتوجه إلى قطر بما أن الإيرانيين قد يظنون أنهم "سينكشفون أمام وسائل الإعلام مما يدفعهم إلى عدم الإفراج عنه". ومع ذلك فإن ابن لادن واثق أيضًا من أن الإيرانيين على استعداد للتعاون مع "القاعدة" إذا وافق التنظيم على عدم الهجوم على العتبات الشيعية المقدسة، وهو ما يتم التعبير عنه في خطاب قصير معنون "أخي الكريم توفيق". ومن المحتمل ألا يكون هذا هو الترتيب الوحيد الذي جرى بين ابن لادن والحكومة الإيرانية ولكنه سمح على كل حال بالاحتفاظ بعلاقة حيادية بين الطرفين وباستمرار السيل المستمر من الأموال والأفراد بالمرور عبر إيران، وهي ورقة تفاوضية استخدمتها الحكومة الإيرانية مع إيوائها في الوقت نفسه أفرادًا من تنظيم "القاعدة" وحيلولتها دون وقوع هجمات على المراقد الشيعية. كما دعا ابن لادن إلى ضرورة الصبر فيما يخص المسألة المتعلقة بإيران والتصعيد ضدها. حيث قال "نحن الآن في وضع لا يسمح لنا باستعداء إيران، وخصوصًا في ضوء الترتيبات الأولية التي تتضمن العمل الخارجي". ولعل هذه أوضح إشارة إلى تنسيقات بخصوص عمل خارجي بين القاعدة وإيران. وبطبيعة الحال كان من الضروري وجود خلية نشطة تابعة لتنظيم "القاعدة" في إيران لمواصلة التدفق المستمر للأصول النقدية والأفراد والأسلحة. الأكثر من ذلك أن العلاقة بين "القاعدة" وابن لادن وإيران تعود إلى التسعينيات. فهناك قيادي كبير في القاعدة وهو مصطفى حامد "يقال إنه تفاوض بشأن إقامة علاقة سريّة بين ابن لادن والحكومة الإيرانية" في منتصف التسعينيات، ثم قام في عام 2001 بدور الرسول في طهران بين طالبان والحكومة الإيرانية، بل و"تفاوض بالنيابة عن (القاعدة) في محاولة لنقل عائلات أعضاء التنظيم إلى إيران". وبالإضافة إلى الأفراد، قامت وزارة الخزانة الأمريكية أيضًا بتصنيف كيانات إيرانية بموجب الأمر التنفيذي رقم 13224 (تجميد الأصول الموجودة في الولاياتالمتحدةالأمريكية وحظر المعاملات المصنفة) لتعاونها مع تنظيم "القاعدة". وفي فبراير 2012، صنفت وزارة الخزانة الأمريكية وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية "نظرًا لدعمها الجماعات الإرهابية، ومن ضمنها "القاعدة" و"تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" و"حزب الله"... مما يكشف من جديد مدى رعاية إيران للإرهاب باعتبارها إحدى مسائل سياسة الدولة الإيرانية". وتشير تقارير إلى أن وزارة الاستخبارات والأمن الإيرانية رتبت سفرًا آمنًا لعناصر في القاعدة في إيران بالإضافة إلى تزويدهم ببطاقات هوية وجوازات سفر. كما يسّرت هذه السلطة الحكومية الإيرانية أيضًا حركة الأموال والأسلحة إلى "تنظيم قاعدة الجهاد في بلاد الرافدين" ورتبت لإطلاق سراح السجناء التابعين للتنظيم. دعم إيراني لهجمات على أوروبا كان من بين آخر مؤامرات ابن لادن استهداف ألمانيا ودول أوروبية أخرى. حيث كشف مجند تابع لتنظيم "القاعدة" ألقي القبض عليه في أفغانستان في وقائع جلسات قضائية في ألمانيا عن أن خلية تابعة للقاعدة ستحرك شبكتها في إيران لتنفيذ هذا الهجوم. أكد أحمد ولي صدّيقي، الذي يحمل جنسية ألمانية وأفغانية مزدوجة، ما اكتشفه مسؤولون استخباراتيون غربيون في خريف 2010 من أن ابن لادن أمر بشن هجمات في العديد من المدن الأوروبية على غرار الهجوم الذي وقع في مومباي في نوفمبر 2008. وبحسب ما قاله صدّيقي، فإنه خطط هو ورفاقه المجندون في عام 2009 مسارات سفر مختلفة لتفادي الشبهات، معتمدين في ذلك بشدة على إيران. كما سافر عنصران تابعان للقاعدة، وهما رامي ماكنيسي ونعمان مزيش، إلى إيران من فيينا، وكان شخص إيراني مجهول في هامبورغ قد قام بحجز هذه الرحلة، حيث كان السفر إلى إيران آمنا وأسهل في الالتفاف حول الإجراءات الأمنية، حيث ظل الأفراد في إيران إلى أن اطمأنوا إلى السفر إلى وجهتهم المستهدفة في أمان. وكان عناصر "القاعدة" الموجودون في إيران يسهلون هذه الأسفار بالتعاون مع الحكومة الإيرانية. ومع ذلك فإن "الخطاب إلى كارم" الذي يعود إلى عام 2007 والذي نشر حديثًا يُعتبر الكشف الأشد إثارة للقلق، إذ يزيد تأكيد ادعاء أنه كانت هناك فعلًا، وربما ما زالت، علاقة بين إيران و"القاعدة". مسؤولية إيران ودور «حزب الله» في دعم القاعدة لقد كانت إيران نفسها، من خلال وكلاء مثل "حزب الله"، مسؤولة عن قتل مئات الأمريكيين. ودربت الشيعة العراقيين على كيفية تفجير وقصف الجنود الأمريكيين في العراق. وفي هذا السياق، كانت إيران حليفًا لتنظيم "القاعدة في العراق"، والذي كان يستهدف الأفراد نفسهم. في خطاب لابن لادن عام 2007 إلى إرهابي يُدعى "كريم" إبّان القتال العنيف في العراق، حذّر ابن لادن حليفه بعدم البدء في مهاجمة إيران ردًّا على تسليح طهران لشيعة العراق وتدريبهم. "أنت لم تتشاور معنا بشأن هذه المسألة الخطيرة التي تؤثر على المصلحة العامة لنا جميعًا". هكذا نبّه ابن لادن حليفه "كريم" الذي كان قد أصدر تهديدات علنية ضد إيران. وأضاف ابن لادن: "كنا نتوقع منك أن تتشاور معنا في هذه المسائل الهامة". إن الكشف عن كون إيران القناة اللوجستية "الرئيسية" لابن لادن يدل على أن طهران دعمت تنظيم "القاعدة" في المناطق القبلية في باكستان بنشاط أو سمحت ضمنيًّا بتدفق مقاتليه عبر أراضيها. وإلا لماذا لا يريد ابن لادن إثارة طهران؟ ويبدو أن تدفق مقاتلي التنظيم عبر إيران قد استمر لسنوات. كتب ابن لادن في عام 2010 في رسالة إلى أحد حلفائه: "بالنسبة للإخوة القادمين من إيران، أعتقد أنهم في هذه المرحلة يتواجدون في أماكن آمنة خارج مناطق القصف". وربما كان "القصف" الذي يعنيه يشير إلى حرب الطائرات بدون طيار الأمريكية على المناطق القبلية، حيث استهدفت المخابرات الأمريكية قادة الإرهاب وقتلتهم بصواريخ هيلفاير. وقال كينيث كاتزمان، الباحث في شؤون الشرق الأوسط في "خدمة أبحاث الكونغرس": "كان ذلك يشكّل نوعًا من معاهدة عدم اعتداء بين إيران وتنظيم القاعدة"، مضيفًا إن "جانبًا كبيرًا من هذا التحالف كان يتعلق بالجوانب التكتيكية. وكان هذا جزءًا من طريقة إيران في أن تقول لابن لادن إنها لن تزعج رجاله مقابل ألا يثير المشاكل ضدها". وذكر مسؤول كبير بالمخابرات الأمريكية، لم تسمه، لصحيفة "واشنطن تايمز" أن "كريم" هو "أبو أيوب المصري"، الذي قاد "تنظيم القاعدة في العراق" في عام 2007. قُتل "المصري" في أبريل 2010 في غارة أمريكية في العراق. وبعد شهر، تولى "أبو بكر البغدادي" قيادة ما أصبح "تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العراق". هرب البغدادي إلى سوريا التي مزقتها الحرب وأسس ما يُعرف اليوم بالجيش الإرهابي لتنظيم داعش الذي يسيطر على أجزاء من البلدين. نماذج من الرسائل المسربة من كتابات ابن لادن