قد لا يمتلك فيلم "قصة شبح -A Ghost Story" حظوظاً كبيرة في موسم جوائز السينما الأميركية لهذا العام، لكنه على الأقل ليس فيلماً يُنسى بسهولة، لا من حيث فكرته، ولا روحه الفنية الخالصة، ولا أسلوبه الخارج عن السياق الهوليودي المعتاد والذي يضعه بجدارة ضمن أفضل إنتاجات السينما الأميركية في السنوات الأخيرة. يعزف الفيلم على نغمة الشوق لكن من منظور مختلف يجعل شعور الاشتياق عدمياً وحزيناً وباعثاً للأسى، لأن الذي يشتاق هنا ليس حبيباً ينشد لقاء حبيبته الغائبة ويأمل في لقائها يوماً، ولا شوقاً مستحيلاً يشعر به الإنسان تجاه حبيب ميت، بل هو شوق الشخص الميت ذاته تجاه الأحياء الذين لا يملك القدرة على لقائهم، والمسجون في مساحة ضيقة لا يستطيع مغادرتها للبحث عن أحبابه. شوق عارم ومشاعر حزينة تألق في رسمها المخرج الأميركي ديفيد لاوري. يؤدي الممثل كيسي أفليك دور الشبح الحزين التائق لرؤية زوجته التي أدت دورها الممثلة روني مارا. يبدأ الفيلم في تصوير عمق العلاقة التي تربط الاثنين ببعضهما، إلى أن تأتي ساعة القدر فيموت الزوج ويتبقى منه "شبحه" المسجون داخل حدود المنزل، والذي يقف متأملاً في ملامح أرملته الحزينة وهي تجوب غرف المنزل دون أن يتمكن من التواصل المباشر معها. وتمضي السنوات وهو حبيس المنزل، ويأتي سكان جدد، ثم يتغيرون، وهو في مكانه، صامت، حزين، يسكنه شوق عارم لزوجته التي غادرت المنزل دون أن يعرف إلى أين. نجح المخرج ديفيد لاوري في صناعة فيلم أسلوبي بامتياز، يعتمد على الصورة والمونتاج والموسيقى لرسم حالة الضياع الفادحة التي يشعر بها الشبح الحزين. وقد جعل من النصف الأول من الفيلم -بما احتواه من مشاهد طويلة وصامتة- تهيئة شعورية للمُتفرج تجعله قادراً على فهم مشاعر الشبح في النهاية. ناثراً في الطريق إشارات هنا وهناك تؤكد المعنى العام للفيلم والذي يقول: إن الشوق المستحيل ليس قضية في حد ذاته، بل الخسارة الأكبر تكمن في فراغ الروح وفقدان الغاية، فكيف سيصنع بيتهوفن حينها سيمفونيته التاسعة؟. وكيف سيضمن الشبح بقاءه وعدم تلاشيه؟. الموسيقى في فيلم مشحون بالمشاعر مثل هذا لابد أن يكون لها دور كبير في تأكيد هذه المشاعر والتعبير عنها، وهذا ما قدمه بالفعل الموسيقي الأميركي الشاب دانييل هارت الذي صنع موسيقى جميلة عززت من معنى الحدث ولم تتجاوزه، ومنحته مسحة الحزن التي يحتاجها للتعبير عن لوعة الشوق ولهفة اللقاء، خاصة في مقطوعة Thesaurus Tuus، التي وصل معها الشبح إلى غاية يأسه وضياعه. كيسي أفليك في لقطة من الفيلم روني مارا