قد يسأل قارئ: لماذا الحديث عن المرور في صفحات تهتم بالاقتصاد، والتنمية، وشؤون المال والأعمال؟ الإجابة ببساطة أن المرور وحركته وانسيابيته، إن وجدت، عامل مهم في الاسهام في تسهيل أمور الاقتصاد، والدفع بالتنمية وخدمة المال والأعمال، كما أنه، في الوقت نفسه، عامل إعاقة وتعطيل وخسائر في العديد من الجوانب. بسبب المرور، وحركة القيادة وفوضويتها لدينا، أصبح الجميع، مسؤولا وموظفا حكوميا، ومنتسبا لقطاع الأعمال، وطالبا وطالبة وغيرهم يفقد الكثير من وقته، بل وجهده وصحته بسبب ذلك، والوقت كما هو معروف مدخل أساس في شؤون الاقتصاد والتنمية وكافة الأعمال التي يمارسها الإنسان. بسبب فوضى المرور لدينا وتخبطات السائقين وتهورهم، لا أحد يستطيع ان ينكر أثر ذلك على الإنتاجية وكيفية أداء الأعمال، إذ ماهو المتوقع من إنتاجية موظف يصل إلى مكتبه وقد أرهقه الزحام والصراع في شوارع مدننا. إن الأوقات التي تضيع، والجهود التي تهدر، والنفسيات التي تسوء جراء وضع القيادة لدينا كلها مؤثرات سلبية على العمل والإنتاجية. صحيح أن المرور، وطريقة القيادة لدينا ليسا هما السبب وحدهما في ذلك، ولكن حركة التطور التي تمر بها بعض مدننا، وتحديدا الرياض حيث شبكة النقل، تلعب دورا في ذلك. إلا أن المنصف لابد أن يقر أن شوارعنا، من حيث الحجم والاتساع، ليست أسوأ مما هو موجود لدى غيرنا، إن لم تتفوق على الكثير منها، كما أن شبكات الطرق وحركة التطور العمراني لابد أن تنتهي يوما ما، ولكن القيادة من قبل السائقين، وإدارة الحركة المرورية من قبل المرور لا يوجد في الأفق ما يبشر بعلاجهما وإصلاحهما. المرور لدينا للأسف الشديد من أضعف، إن لم يكن أضعف أجهزتنا الحكومية، ولم يستطع أن يجاري التطوير الذي حدث للأجهزة الحكومية الأخرى، بل لم يستطع أن يتماشى مع التطوير الذي طال أجهزة وزارة الداخلية ذاتها وأجهزة الأمن العام على وجه التحديد. وحيث تم خلال الأسبوعين الماضيين تغيير المسؤولين عن إدارة المرور، على مستوى المملكة من خلال الإدارة العامة للمرور، وعلى مستوى منطقة الرياض، وقبلهما بعدة أشهر كان تعيين مديرا عاما جديدا للأمن العام. وحيث أن الأخير هذا قادم من الشرطة، مما يفترض معرفته بدهاليزها، مما لاتحتاج من وقته الشيء الكثير، فلعله يمنح المرور أغلب وقته، عسى أن يتمكن مع هذه القيادات الجديدة من عمل شيء لهذا الجهاز الذي يمس الجميع ويعاني منه الجميع أيضا، إذ لو تمكن مدير الأمن العام من إصلاح المرور لكفاه، وكفانا منه، ولكان نجاحا يضاف إلى نجاحاته السابقة.