لكل زمن وعصر فنونه وآدابه التي تزدهر في فترة من الفترات ثم يخمد ويندثر ثم يأتي عصر جديد بفنونه وآدابه معه التي تفرضها معطيات هذا العصر وطريقته. كانت الملاحم في عصر البطولات والأساطير, ثم ظهرت الرواية في عصر المدينة وتشكل المدن وبداية عصر جديد وبلغت أوجها مع ظهور الثورة الصناعية وبروز نمط حياتي جديد, ثم جاء عصر التقنية وبرزت السينما, وهكذا. أما اليوم في عصر وسائل التواصل الاجتماعي والأجهزة الذكية وانتشارها برز أيضاً ما يناسبها من فنون وآداب, ومن أهم هذه الوسائل (تويتر) بحروفه المعدودة وفضائه الرحب وسرعة انتشاره, ليظهر لنا ما يمكن تسميته الآن ب»أدب التغريدة» التي برز فيها عدد من الكتّاب ولاقوا استحسان عدد من المتابعين. فما هو هذا الأدب؟ وما هي مميزاته؟ وهل هو قديم أم جديد؟. أدب اللحظة ضيف: الأدباء يتهيبون خوض غمارها القاص ضيف فهد أحد الذين تجد تغريداتهم عدداً من المعجبين والمتابعين قال:"التغريدة - الأدبية منها - كونها مُلزمة تحت التحكم التقني بالاختصار، تحيل مباشرة إلى فكرة الشذرة، ذلك النوع الأدبي المتماهي بين الشعر والنثر، والذي يقول عنه الشاعر والفيلسوف إميل سيوران" هي الشكل الوحيد الملائم لمزاجي، تمثل كبرياء لحظة محولة مع كل التناقضات التي تحتويها. إن عملاً ذا نفس طويل وخاضعاً لمتطلبات البناء ومزيفاً بهاجس التتابع هو عمل من الإفراط في التماسك بحيث لا يمكن أن يكون حقيقياً". وللتغريدة الأدبية علاوة على بنيتها المختصرة والمتحدية، القدرة، بقليل من الاهتمام، والمواكبة، وعدم التردد، أن تتحول إلى جنس أدبي جديد، يناسب بشكل مؤكد القارئ السريع والجديد الذي خلقه هذا العصر التقني التواصلي الجديد. التغريدة الأدبية مناسبة جداً كتسجيل لحظي للأفكار السريعة والعابرة، تعتبر حيزًا مناسباً ومثالياً للتدوين السريع، والتي من الممكن أن يعود لها كاتبها لاحقاً والاستفادة منها كنواة لعمل نصي طويل فيما لو وجد أن الأمر يستحق المحاولة. من المفيد عدم الوقوف في وجه أي صرعات كتابية جديدة، فيما لو كان من الصحيح إطلاق هذه التسمية عليها، بل إنه من المفيد محاولة استثمار مثل هذه المساحة لاكتشاف قدرات كتابية جديدة والعمل على تطويرها والاستفادة منها، لكن الملاحظ أنه ما زال هناك تهيباً واضحاً من الكتاب المكرسين وأصحاب الأسماء الأدبية المعروفة من خوض غمار التغريدة الأدبية كأسلوب للنشر، ونجد أن أغلب إسهاماتهم إما تعليقاً على خبر ثقافي أو أدبي، أو إعادة نشر إسهاماتهم الصحفية أو المقالية. العاطفة والهزل القاصة وفاء الحربي أيضاً أحد الذين برزوا في هذا المجال واستفادت من متابعيها وأصدرت مجموعتين قصصيتين إلكترونيتين حازتا على إعجاب شديد ومتابعة كبيرة مع أنها تكتب باسم مستعار هو (غولبهار مهشيد)، قالت: "جاءت فكرة مواقع التدوين المصغر، مثل تويتر، وانتشرت بعد انتشار الهواتف الذكية بين الناس. قبل انتشار الهواتف الذكية، كان للرسائل النصية حضورها الأدبي اليومي في هاتفي عبر الاشتراك في قنوات "جوال أدب" التابعة لموقع "أدب الموسوعة العالمية للشعر". عبارة عن اقتباسات لأدباء وشعراء عالميين وعرب. كانت الرسائل شبيهة بتغريدات تويتر الآن، من حيث ظروف الاختزال والتقيد بعدد الحروف. بالنسبة لي لم يشكل عدد الحروف في تويتر عائقًا، طبعاً لا أنكر أنه علمني اختزال الألفاظ وتكثيف المعنى، سواء في كتابة التغريدات أو القصة القصيرة. فقد اتخذت من "النص المصور - لقطة شاشة" حيلة لنشر قصصي القصيرة والتي لاقت رواجا كبيرا بين المتابعين.لا أحبذ وضع التغريدة الأدبية في مجال مقارنة مع أدب الشذرة، لما للأخيرة من عمق فلسفي يندر وجوده في تويتر لأن الجانبين العاطفي والهزلي هما السائدان فيه. لكنني أميل للمسمى "أدب التغريدة" كشكل أدبي حديث ومنفصل، له مبدعيه والدخلاء عليه، والأهم أن يعامل معاملة منصفة من حيث حفظ حقوق المؤلف. تويتر يعج بين الحين والآخر بكتابات في جوانب متعددة ، تخلو من أي فكرة او لغة، هي أشبه بما تتفوه به فتاة أثناء البكاء، كلام كثير غير مفهوم". الأكثر زخماً حماد:تقول ما لا يقوله كتاب ويقول يوسف حماد أيضاً أحد الأسماء المهتمة بهذا النوع من الأدب وتجد تغريداته إقبالاً ومتابعة جيدة:" كتابة الشذرة أو ما يسمى بفن التغريدة لا يمكن الاستعانة عليها بقلم جاف، كونه غالباً ما يغص بالكلمات فتهرب منك التماعة الفكرة. فهي الكتابة على جزء من الزمن، وهي محاولة التقاط مشهد وصياغته كاملاً بصورته وصوته وألوانه بأقل عدد من الكلمات، بلا إكراهات من قافية ولا لحن موسيقي لنثر ولا محسنات لغة، فأنت أمام فكرة خام لا يدعمها جمال المفردة ولا الجرس الموسيقي ولا تمرر رداءتها لحون الشعر. هذه الحرية في الكتابة تجعلك أكثر جرأة أمام اعتقادك، وأكثر انتقائية لمفرداتك، وأكثر قرباً من لحظة توارد أفكارك، كون مهمتك أصبحت ملاصقة تماماً من إلتماع الفكرة في ذهنك. هذا النوع من الكتابة يشبه الفلاش، يشبه لحظة السقوط، تقف الفكرة بين التقاطها أو الهروب منك كما تقف الرصاصة بين الفوهة وأصبع الزناد، إما أن تلتقطها أنت وإلا قفزت لشاعر يصوغها على شكل قصيدة مطولة، أو تكون حكاية روائي بفصول خمسه أو أكثر، أو تنتهي لكتاب بفهرس وحواشي و إهداء، لمثل هذا الموقف يقول نيتشه: "إن مرماي أن أقول في عشر جمل ما يقوله غيري في كتاب... ما لا يقوله في كتاب بأكمله". نحن في نهاية المطاف نراهن عما يستوطن النفس ويجعلها أكثر إنسانية، وهذا الأمر يشق طريقه باقتدار عبر سهم الشذرة كما لا تساويه الأنماط الأخرى. هذه الثورة على السائد لا يمكن أن يصفق لها جمهور تعود الاسهاب، كونها بحاجة لقراءة الفكرة وحدها، وكونها تتطلب عزل أي أداة تمرر الأفكار الرديئة، سواء أكانت قافية، أو موسيقى، أو حتى براعة دراما. وهنا يكمن التحدي في كتابة هذا النمط فلا أدوات تساندك وتستعين بها في لحظة إفلاس الفكر. لذا تواجدت الشذرة لدى صناع الفن أكثر من تواجدها لدى الجماهير، فالشذرة تسهم كما لا يفعل غيرها بتلوين المدن للرسامين، وقابليتها للتشكل والاستنساخ على هيئة مجسم أو رسمة كاركاتير، كونها الأكثر زخما باحتوائها التكثيف والاقتضاب والافلات من المقاييس النمطية". منصه إعلامية كما تحدث الناقد الدكتور عبدالرحمن حسن المحسني عضو هيئة التدريس بجامعة الملك خالد وأحد أبرز المهتمين نقدياً في مجال الأدب والتقنية وله رسائل وأطروحات عديدة في ذلك منذ عصر الرسائل القصيرة في الهواتف المحمولة, يقول الدكتور المحسني:"يمثل تويتر منصة إعلامية مهمة، هي الأخطر والأهم في هذا العصر، وهي منصة الإعلام الفردي والجماعي تعتمدها الدول والمؤسسات والأفراد على حد سواء غايتها بالدرجة الأولى الإعلام، ورغم وجود ما ينافسها كالفيس بوك وانستقرام وغيرها فإن تويتر على مستوى السعودية هي الأهم وهي الأكثر تاثيرا. وبعيداً عن غاياتها التأسيسية التي من أجلها أنشئت، وبعيداً أيضاً عن أهداف نشأتها، فسنتحدث الآن عنها كونها واقعاً، ونتحدث عن بعض ما يجب من أدبياتها. المحسني: صورة تعكس الثقافة والوعي أولاً: هي منصة إعلامية، وأعني بها أنها تعلم وتعبر عن الشخص المستخدم لها، وكذا المؤسسة، وربما كانت الدول والمؤسسات تعي ذلك تمامًا فلا تقدم في مواقعها إلا ما يهم المتلقي فهي تعي تمامًا قيمة الرسالة وتدرسها جيدا قبل بثها، لكن كثيرًا من المستخدمين لا يعي أن صفحته تعبر عنه وهي شاهد له بالوعي أو عليه. فهي تكشف للمجتمع مستواه الفكري والأدبي واللغوي سواء في كتاباته التي يكتبها بنفسه أو من اختياراته، فهي كاشفة عنه وهو مسؤول عنها أدبياً وقانونياً. ثانياً: واتصالاً بما سبق نؤكد على اللا خصوصية في تويتر وبقية المواقع.. فموقع الشخص هو صورته فليقدمها بما شاء، ولا يعتقد- للحظة- أن هناك خصوصية له.. فتويتر هو صورة العالم المكشوطة وكل دعوى للخصوصية هي مجرد شعارات، وقد فصلت في هذا في محاضرة قدمتها في سوق عكاظ العام قبل الماضي.. وقلت:"إن حماية الخصوصية هي باللا خصوصية، فما يوضع على موقعك الشخصي يخرج من حيز ملكك إلى أن يكون ملكًا للآخرين، فلا تضع فيه إلا ما لا يضرك وصولا إلى أن تحسن في تقديم صورتك للآخرين. ثالثا: ليعلم أن الدول تهتم كثيرًا لما يكتب في هذه المواقع، وقد قرأت خبرًا أن بريطانيا مثلا أوكلت مؤسسات ترصد تاريخها المعاصر على مواقع التواصل الاجتماعي، وأن الدول والمؤسسات التجارية العظمى تتابع هذه المواقع لترصد المزاج العام للمجتمعات وهي تؤثر على وضع استراتيجات الكون. رابعاً:هناك آداب عامة لاستخدام مواقع التواصل الاجتماعي وهي في أغلبها معروفة لكن التنبيه عليها هنا لأهميتها ومنها (حفظ حقوق الآخرين، وهو منهج حفظه الإسلام والشرائع الإنسانية جمعاء فلا يحق لك وضع شيء على صفحتك دون الإحالة لصاحبه, وأمر ثانٍ، وهو ضرورة السعي لتطوير ذاتك لغوياً وفكرياً من خلال الاستفادة من المواقع العلمية التي تهمك على تويتر، بحيث تخرج من عبثية الوقت الضائع إلى الإفادة الحقة في دعم تطور الفكر واللغة والوعي لديك. وأيضاً ضرورة التواصي بحماية حقوق الإنسان على تويتر، فنحن نرى تعديات وتجاوزات في التعليق على التغريدات بما يحتاج للتنبيه على أهمية التروي في التعليق ومعرفة أن الفكرة في ملكك قبل أن تغرد بها، فإذا غردت بها فأنت في ملكها شرعا وقانونا". ضيف فهد يوسف حماد د.عبدالرحمن المحسني