طرح الدكتور عبدالله الغذامي مصطلحا فنيا جديدا أسماه (التوريقة) وهو عبارة عن مقال قصير يعالج موضوعا واحدا. والتوريقة بصرف النظر عن اشتقاقها اللغوي هي مرادف «صحفي» للتغريدة. وبعبارة أخرى، التوريقة هي التغريدة بعد أن انتقلت من حقل (تويتر) إلى حقل العمود الصحفي التقليدي في الجرائد الورقية أو الإلكترونية. وقد كتب الغذامي حتى الآن ما يربو على الخمسين توريقة في جريدة الجزيرة. والسؤال الآن: ما هي التوريقة وما علاقتها بمنظومة المصطلحات التي سكها الغذامي طوال مسيرته الفكرية؟ في نقاش مع الدكتور الغذامي في تويتر سألته عن المصطلح وهل له علاقة بالشذرة أو بفن الترسل القديم؟ قال لي إن الشذرة لا تأتي بالعادة إلا في صيغة الجمع (شذرات) وأنها نوع من المقتطفات.. أو هي تجميع للمكتوب سلفا. وأما التوريقة فهي نص إنشائي جديد. وعن الترسل قال إنه فن استرسالي ولا ينسجم مع معنى التوريقة وفضائها المحدود. وأضيف بأن الترسل قديما كالرسالة موجهة إلى أشخاص معينين وأما التوريقة فهي مفتوحة وموجهة لكل القراء. لم يحدد الغذامي طول التوريقة كما هو حال التغريدة المحددة بمائة وأربعين حرفا.. بل اكتفى بالقول إنها يجب ألا تتجاوز بضعة أسطر والبضعة كما نعرف ما بين الثلاثة والتسعة. هل يمكن لنا إذن أن نقارن بين التوريقة والمقطع (أو البرقراف)؟ برأيي أنه لا.. فالمقطع وإن كان في الغالب بنفس طول التوريقة إلا أنه غير مستقل بذاته فهو مرتبط بمجمل النص أو المقال ولا يفهم إلا في هذا السياق. التوريقة إذن ليست شذرة ولا ترسلا ولا مقطعا.. فما هي؟ إنها توريقة وكفى. فالمصطلحات المذكورة آنفا لا تفي بالغرض الذي من أجله أنشأ الغذامي المصطلح؛ أي أن تكون التوريقة ملائمة لثقافة الصورة والمراد هنا - بتوسع- عصر التواصل التقني الفائق السرعة. ومن ملامح هذا العصر: «المباشرة، الاختصار، الدقة، والتلوين» كما يشير الغذامي في توريقته الثانية. الآن، ما موقع مصطلح التوريقة في الخطاب الغذاموي في تجلياته المتنوعة؟ ما علاقة التوريقة بالشعرنة والفحل والعمى الثقافي ونحوها؟ برأيي أن أبرز فرق يتجلى في كون التوريقة مصطلحا فنيا أو «تقنيا» وليس «مفهوميا» كبقية المصطلحات. هو مصطلح تقني لأنه يحدد فضاء الكتابة لا شروطها.. وشكلها لا مضمونها. والمصطلح ليست له وظيفة نقدية أو تحليلية كما هو حال المصطلحات الغذاموية الأخرى. المصطلح المفهومي هو ما كان يتحدث عنه دولوز وغيتاري في كتابيهما (ماهي الفلسفة) حينما عرّفا الفلسفة بوصفها إبداعا للمفاهيم. وربط فكرة المفهوم بفكرة الحقل وغيرها من أفكار ليس هنا المجال لذكرها. والحقل هو ما يجعل المفهوم ذا دلالة ومشروعية، وعند ارتحاله من حقل لآخر فإن ثمة تعديلات يجب أن تتم على المصطلح لكي يلائم الحقل الجديد. فالشعرنة على سبيل المثال مصطلح مفهومي له وظيفته في حقل البلاغة والمجاز ولكن هذا الحقل ينطوي داخل حقل أكبر هو الثقافة وليس الاستطيقا (أو الجماليات) كما هي عادة البلاغة أن توجد. وارتحال المصطلح لحقل آخر؛ لنقل الاقتصاد، سوف يتطلب من الباحث الاقتصادي إجراء تعديلات عليه. ورغم أن مصطلحات الغذامي في «منعطفه النقدي» (وأقصد الانتقال من النقد الأدبي للنقد الثقافي) واسعة جدا فإنها تظل تعمل في حقلها الخاص. مصطلح التوريقة فني أو تقني وهو في مستهل النظر قريب في حياديته من مصطلحات فنية أخرى: كالمقالة والشعر الحر وقصيدة النثر ونحوها.. ولكن هذا لا يمنع أن يكون لبعض المصطلحات الفنية صلة بالأبعاد الاجتماعية والسياسية عموما.