عشنا فترات طويلة ونحن، رسمياً وإعلامياً، نتغنى بالرقم الاقتصادي، وندندن حوله، ونذكره في كل مناسبة وغير مناسبة. كانت الأرقام الاقتصادية هي أكثر ما يستهوينا، بدءًا من الدخل والناتج الإجمالي وحتى أرقام المشاريع، التي كان المسؤول يشعر بالفخر وهو يذكر أرقامها المرتفعة، أما انعكاس تلك الأرقام وأثرها على حياة الناس ومعيشتهم فذلك شأن آخر. في العامين الأخيرين انعكس الحال وأصبحت مفردة التنمية هي الأكثر تداولاً. كانت بداية تصدرها عند إنشاء مجلس الشؤون الاقتصادية والتنمية، ثم أصبحت مفردة متداولة في الكثير من البرامج والقرارات والمبادرات، وكان آخرها حينما صدر قرار بإنشاء صندوق التنمية الوطني الذي ضم تحت مظلته مجموعة من الصناديق التنموية القائمة. لا أحد يشك في أهمية وضرورة الأرقام والمؤشرات الاقتصادية لأي بلد، على المستويين الداخلي والخارجي. فجميع الدول تنشد، بل تسعى، للرفع من أرقامها ومؤشراتها الاقتصادية وتعمل جاهدة على أن تحوز، نتيجة تلك الأرقام، على مراكز متقدمة في المحافل والتصنيفات الدولية. إلا أن الأهم انعكاس تلك الأرقام على حياة المواطن، وبيان أثرها الإيجابي في تعليمه وصحته ومواصلاته واتصالاته وكافة الخدمات الأخرى التي ينشدها المواطن ويبحث عنها. إن الحديث المتصاعد عن التنمية، المقرون ببرامج ومبادرات، والشامل لكافة مناطق المملكة ومحافظاتها، هو مؤشر إيجابي يجب علينا أن نتبناه وندعمه. نحن بحاجة إلى أن يكون الأثر التنموي الذي تحدثه الخطط والبرامج هو مؤشر الأداء الذي نقيس من خلاله كفاءة المسؤول وقدرة الجهاز الحكومي. إن الأرقام والمؤشرات الاقتصادية، على أهميتها، يجب أن تكون وسيلة وليست غاية في حد ذاتها، وسيلة لتحقيق الرفاه والتنمية التي يتطلع إليها المواطن، حيث هي ما يهمه ويعنيه في نهاية الأمر. إن حاجات المواطنين المتعددة والمتنوعة، والمتطورة والمتغيرة أيضاً، تتطلب أن يكون للأرقام أثراً مباشراً في حياتهم، ولكن تنمية هذه الأرقام وزيادتها تحتاج إدارة اقتصادية ومالية كفؤة كي نضمن استمرار التنمية واستدامتها، فالمواطن يهمه نتيجة التنمية، في الوقت الذي تبقى فيه مسؤولية إدارة التنمية والتعامل مع أرقام الاقتصاد ومؤشراته شأن الحكومة وأجهزتها.