"أوكجا" هو في جوهره فيلم بسيط، عن فتاة تدعى "ميجا" تحاول إنقاذ حيوانها المعدل وراثياً "أوكجا" من شركة ضخمة تريد الاستفادة منه وتحويله إلى طعام. ويأخذك الفيلم في رحلة مجنونة من سيئول في كوريا إلى نيويورك في أميركا، ومن خلال هذه الرحلة تحاول "ميجا" إذلال جميع الصعاب لإنقاذ حيوانها الذي عاش معها منذ أن كان عمرها أربع سنوات. جون هو بونغ، المخرج والكاتب الكوري الجنوبي الذي يقتحم ساحة هوليوود بقوة، يصنع فيلماً غريباً للغاية، ويفرض أسلوبه الحاد في صناعة الأفلام على محتوى للوهلة الأولى يبدو أنه لا يناسب أسلوبه، لكن بطريقة ما، تبدو كل قطع الأحجية في مكانها في نهاية الفيلم، وتبدو أكثر الأمور جنونية في محلها. معرفتي بالمخرج والكاتب كانت من خلال فيلمه الهوليوودي الأول Snowpiercer أو "مخترق الثلج" الفيلم الذي حاز على إعجاب الكثير من النقاد، وأعطى كريس إيفانز -الممثل الذي أدى شخصية كابتن أميركي- دوراً يلمع في سيرته الذاتية ويخرجه من عباءة السوبرهيرو. وفي الحقيقة أجد صعوبة في تصديق أن المخرج استطاع القيام بهذين الفيلمين، ففيلم "سنو بيرسر" من جهة، هو أشبه بالاستماع لألبوم هيفي ميتال، فيلم معتم، وصاخب، بنمط سريع لا يتوقف إلا نادراً لإعطائك الفرصة لالتقاط أنفاسك، وفي بقية الفيلم تتسارع الأحداث وتتساقط الجثث جثة تلو الأخرى، وتزداد الرحلة على قطار الموت جنوناً وغرابة، يزداد شعورك بالخوف من الأماكن الضيقة، يزداد سطوع الألوان على الشاشة مع زيادة سوداوية القصة بشكل لا يمكن السيطرة عليه. بينما في فيلم "أوكجا-Okja" تفرش المساحات الخضراء على مد النظر، وترى فيلماً ساطع الألوان ومبهر بصرياً، وحتى لو خسرت اهتمامك بالقصة فلن تبعد عينيك عن الشاشة لجمالها، وبدل أن تكون الشخصيات أمام خيارين للحركة فقط كما في القطار "أمام/خلف"، تستطيع الإحساس بحرية التحرك وحرية اختيار التنقل، وكأن جون هو بونغ أراد القضاء على رهاب الاحتجاز المتبقي لديك من فيلمه السابق. لكن لا تدع جمال الصورة يخدعك، فالفيلم لا يخشى من مشاهد العنف، ولا ينظر بعيداً حينما تشاهد الحيوانات تتعذب، كلما تقدمت في الفيلم يصبح الفيلم أكثر جرأة، وما كنت تعتقده مغامرة طفلة وحيوانها الأليف في السابق، يتحول إلى صراع بين منظمتين يتخلله الكثير من الدماء، الكثير من العنف، والكثير من الدموع. وكأي مخرج يجد ضالته في ممثل معين ويحاول إحضاره لجميع أفلامه، يجد جون هو بونغ ذلك في الممثلة القديرة تيلدا سوينتن، التي تستطيع تجسيد الهزلية والتطرف في شخصياته بدون أن يظهر ذلك بشكل منفر للمشاهد، وهذا للأسف ما حصل مع جيك جالينهال الذي بالغ في أداء شخصيته وأخرجك من الجو العام للفيلم. "أوكجا" بالتأكيد ليس أفضل فيلم في السنة، بل أشك أن النقاد سوف يتذكرونه في محافل العام، لكن الجرأة والغرابة الموجودة فيه بلا شك سوف تضع بصمة في أذهان المشاهدين وسوف تجعل المنتجين في المستقبل يفكرون ملياً في تعيين جون هو بونغ على رأس العمل. المخرج جون هو بونغ