يبدو أن الأوسكار استحسن فكرة "المظاليم" فأصبح يتعمّد استثناء أفلام جميلة من دائرة تكريمه لمجرد أن يكتب النقاد وتتساءل الصحافة ويتجادل الجمهور عن سر استبعاد هذا الفيلم واختيار غيره، وكأنما الهدف أن يبقى الأوسكار تحت دائرة الضوء لأطول فترة ممكنة، وإلا كيف يمكن تفسير غياب فيلم رائع جداً مثل (نحتاج للحديث عن كيفن-We Need to Talk About Kevin) عن قائمة الترشيحات رغم ما حواه من تألق في الفكرة والأسلوب والأداء من قبل الممثلة المبدعة تيلدا سوينتن؟. بالطبع ليس هذا الفيلم الوحيد الذي تم تجاوزه بشكل غريب في الترشيحات الأخيرة, فهناك أيضاً الأفلام الرائعة Carnage للمخرج رومان بولانسكي, وYoung Adult للممثلة تشارليز ثيرون, وDrive للممثل رايان غوسلينغ, وShame للمخرج البريطاني ستيف ماكوين. وما يزيد من غرابة التجاهل أن الأوسكار أعلن عن ترشيح تسعة أفلام فقط لجائزة أفضل فيلم رغم أن نظامه يسمح بترشيح عشرة أفلام في هذا الفرع بالذات، وكأن أعضاء الأكاديمية يشيرون إلى أنهم لم يجدوا فيلماً عاشراً يستحق "مجرد" الترشيح فاكتفوا بالتسعة أفلام التي أعلنوا عنها قبل أسبوع. هل فيلم We Need to Talk About Kevin أفضل من الأفلام التسعة المختارة؟. إنه على الأقل يستحق أن يكون عاشراً كما تستحق بطلته تيلدا سوينتن الترشح لأوسكار أفضل ممثلة عن دور رئيسي لأن أدائها فيه كان عميقاً ومؤثراً وهو بمقارنة فنية سريعة أفضل وأعمق من كل الأدوار الخمسة المرشحة للجائزة وبالذات من الممثلة فيولا ديفيز بطلة فيلم The Help ومن الممثلة ميشيل ويليامز بطلة فيلم (أسبوعي مع مارلين-My Week with Marilyn). إذن كيف وتحت أي مبرر تم تجاهلها؟. قدمت تيلدا في فيلمها الرائع هذا دور أم تعيش كوابيس "شيطانية" بسبب ابنها "كيفن" وتحاول طيلة الفيلم معرفة لماذا حصل لها ما حصل!. في أجواء دموية امتلأت بالقتامة والكآبة والرعب واحتوت على شخصية شريرة هي من أكثر الشخصيات السينمائية "شراً" في السنوات الأخيرة. وقد أبدعت مخرجة الفيلم البريطانية ليني رامزي في رسم صورة شيطانية لعلاقة الأم بابنها دون أن نعرف سبب التوتر ومصدر الشر والكره والحقد الذي طبع هذه العلاقة الغريبة؛ فالأم تعاني لأن هذا قدرها ولا سبيل لتفسير لمعاناتها مع صورة "الشيطان" التي تعيش في منزلها. ولعل الأجواء السوداء الكئيبة التي قدمها الفيلم هي سبب استبعاده, حيث يقال دائماً إن الأوسكار يفضل الأفلام ذات الروح المتفائلة التي تحكي سعي الإنسان نحو تحقيق ذاته والانتصار على خيباته, بينما فيلمنا هذا يقدم العكس تماماً بقصته الكابوسية الدموية المحبطة جداً والتي لا تنتهي بالنهاية الهوليودية السعيدة المألوفة, وما يعزز هذا الرأي أن الأفلام المستبعدة تدور في هذا الإطار الكئيب, بينما الأفلام التسعة التي تم ترشيحها تحوي قصصاً متفائلة ونهايات سعيدة, بالذات فيلم War Horse للمخرج ستيفن سبيلبرغ, أما الأفلام الثلاثة(الفنان-The Artist) و(هوغو-Hugo) و(أسبوعي مع مارلين-My Week With Marilyn) فهي إلى جانب نهاياتها السعيدة فقد حملت أيضاً روح الحنين إلى ماضي السينما الجميل فكان هذا سبباً في تفضيلها على أفلام أخرى قد تكون أعمق وأجمل.