دخول عدد من المخرجين السينمائيين السعوديين الشباب إلى سوق الدراما التلفزيونية، أشبه بعبور حقل ألغام، فالمسألة وإن دعت إلى التفاؤل بتغيير وجه الدراما الحالي، غير أنها تحتاج إلى توقف يصل حد الحذر، ليس من المخرجين الشباب الواعدين ومواهبهم المشهودة، بل من بؤس المشهد الدرامي وغلبة النزعة التجارية الجشعة التي من فظاعتها تظهر في ما يعرض على الشاشة من خلال التقشف وسوء اختيار طواقم العمل، من فنيين وممثلين. ذلك لأن من يأتي من "حلم" السينما سيصطدم بفوضى التلفزيون. من هنا علينا أن نشير إلى تحديات واجهت وستواجه المخرج السينمائي السعودي الشاب وهو يخوض تجاربه الأولى في الإنتاج الدرامي التلفزيوني، وهي ذات شقين، الأول: الممثلون، والثاني: "الإنتاج". بالنسبة للممثلين والذين هم لحم ودم المسلسل الدرامي، ودون وجودهم يختفي هذا الفن، فإن المخرجين الشباب سيقع عليهم جهد كبير في ما يمكن تسميته مجازاً ب"إعادة ضبط المصنع" للعديد من الممثلين ذوي الأداء المتصنع و"الأوفر"، نظراً لأن السواد الأعظم من الممثلين إما أنه لم يدرس التمثيل أو في أحسن الأحوال أخذ دورات في المسرح، أي التدرب على الأداء المغاير عن التمثيل السينمائي البصري، فضلاً عن أن ممثلينا، الشباب والكبار، يغلب على العديد منهم التأثر بالأداء الدرامي المصري التقليدي في التمثيل والقائم على التفخيم والتهويل في حوار وفعل الشخصيات، والذي أثر منذ عقود في التمثيل الكويتي الذي تشرّبه العديد من الممثلين لدينا، هذا التمثيل "الأوفر" يحتاج إلى مخرج حازم، لا "يمشي" المشاهد كما يفعل مخرجو الدرجة الثالثة من بعض الجنسيات العربية عندما يخرجون الأعمال المحلية، بل تحتاج لمخرج له الكلمة الأولى والأخيرة في العمل، الأمر الذي سيصطدم لا محاله بالتحدي الثاني وهو المُنتج وتحديداً الآلة الحاسبة التي بيده. إذ أن كل تأخير سيكبد المنتج خسائر، أو سيوهم المنتج المخرج أن التأخر أضرّ به، كما حدث مع مسلسل درامي سعودي لمخرج سينمائي شاب، حيث تكالبت إدارة الإنتاج على هذا المخرج، مهددين بفتح خط إنتاج ثانٍ للمشاهد الصغيرة من أجل الانتهاء في الموعد، وهو ما رفضه المخرج السعودي، حرصاً على عمله، ليتبين لاحقاً، أن هذا المخرج لم ينتهِ من تصوير المسلسل كاملاً قبل موعده المقرر بأيام، بل قدم ساعات إضافية كرصيد للمسلسل، في تحدٍ برع فيه المخرج السعودي. لكن لماذا كل هذه المضايقة من إدارة الإنتاج؟ السبب يعود لأن المخرج السعودي لا "يمشي" ولا "يسلق" المشاهد إن لم تكن جيدة، الأمر الذي يربك الإنتاج التجاري خوفاً على ميزانية العمل وهو أمر على المخرج الشاب أن يضعه في الحسبان. غير أن ثمة تحدٍ آخر سيواجه المخرج السينمائي السعودي الشاب في البيئة الدرامية الحالية وهو ظاهرة المنتج/ الممثل، ونرجسيته العالية. هذا النوع من المنتجين الذي لا يكف عن التدخل في كل تفاصيل العمل من النص إلى شكل فريم الصورة الذي يجب أن يهتم به أولاً. هؤلاء المنتجون الممثلون من الجيل القديم أو قلة من الجيل الجديد، لابد من اتفاق المخرج الشاب معهم منذ البداية، كي تكون الأمور واضحة، ولكي لا تتضرر شخصية وصلاحيات المخرج واشتراطاته الفنية. أما التحدي الأخير، فلن يكون سوى المضمون الذي سيقدمه هذا المخرج السينمائي السعودي الشاب أو ذاك، وهو بلا شك التحدي الأكبر، والذي يتوجب على المخرج أن يسعى من خلال تتالي التجارب واستمراريتها أن يطوره، ليس "خدمة للدراما السعودية" وتحقيقاً لآمال الجمهور الوطني بمشاهدة دراما جيدة، بل من أجل ضمان البقاء لهذه الدراما المهددة وجودياً في فضاء إنتاجي عربي وعالمي مفتوح. القضية تحتاج إلى جدية عالية، وإلى عقلية متحدية، يمكنها أن تتجرأ لطرح الرهان الأصعب، والذي لا يتمثل في توطين المشاهَدَة بسحب جمهور المشاهدين المحليين من الجلوس أمام عروض المسلسلات الأميركية والأوربية على نتفلكس وحسب، بل من خلال تقديم دراما سعودية رصينة ومتقنة، تستدعي المشاهد غير السعودي إلى الجلوس لمتابعتها كل يوم.