فور الانسحاب الأميركي من العراق عملت إيران على ملء الفراغ السياسي والأمني الناتج عن ذلك، لتزيد هذا البلد المشتت تمزيقاً وحولته إلى منصة انطلاق لعبثها ومساعيها لتوسيع نفوذها إقليمياً متدثرة بالقضايا العادلة كالقضية الفلسطينية، والتظاهر بمعاداة إسرائيل لتخفي قبحها وخطورة سياستها القائمة على اللعب على الوتر الطائفي من خلال دعم جماعات مشبوهة تعزز الاحتقان الطائفي وانتشار العناصر الإرهابية في المنطقة، فبدلاً من دعم حكومة فلسطينية قوية موحدة لمواجهة الخبث الإسرائيلي شقت إيران الصف الفلسطيني بدعم طرف على آخر، ولم تصدر عنها أي ردة فعل حيال الغارات العديدة التي شنتها إسرائيل ضد مواقع عسكرية سورية رغم تشدقها الدائم بمعاداتها. حتى حضورها في سورية كان وبالاً عظيماً على هذا البلد، فمنذ بداية الأحداث هناك سارع نظام الملالي إلى تشكيل العديد من المليشيات الطائفية من العراق وأفغانستان ولبنان وإرسالها إلى سورية دعماً لنظام الأسد، الأمر الذي أدى إلى إذكاء الصراع وتعقيده وانهيار البنية الاجتماعية السورية، وعلى نفس المنوال دعمت طهران التمرد الحوثي في اليمن الذي أعاد البلاد عشرات السنين إلى الوراء وأدى إلى مقتل آلاف اليمنيين. الدعم الإيراني للحوثي: سلطت وزارة الدفاع الأميركية منذ العام 2015 الضوء على تورط طهران في الشأن اليمني وأصدر البنتاغون عدة تقارير تشير إلى دعم إيران للحوثي في اليمن بالأسلحة والتدريب والتمويل، كما تعلن الولاياتالمتحدة باستمرار عن اعتراض مدمراتها في البحر الأحمر لسفن تحاول تهريب السلاح والأموال من إيران للمتمردين الحوثيين. وكتبت شبكة "ذا نيشيونال" قبل أيام أن خط تهريب المواد للحوثيين من إيران قد تغير في الأشهر الستة الأخيرة بسبب الدوريات البحرية التي تقوم بها سفن التحالف الدولي في خليج عمان و بحر العرب، فبعد أن كانت الزوارق تتجه من إيران إلى اليمن مباشرة أو عبر الصومال غيّرت السفن الإيرانية مسارها وأصبحت تسلك طريق جديد عبر الخليج العربي عبر زوارق أصغر لا تتعرض لرقابة شديدة. وصرّح مسؤول إيراني ل"ذا ناشيونال" بأن أجزاء من الصواريخ والقاذفات والمخدرات تهرب إلى اليمن عبر مياه الخليج خاصة تلك التي لا يمكن صناعتها في معامل الحوثي للأسلحة في اليمن كما يستخدم الطريق أحيانا لنقل النقود، وأضاف أن "النقد والمخدرات نستخدمها لتمويل نشاطات الحوثي". وجاء في تقرير أصدره محققون مستقلون من الأممالمتحدة قبل أيام أن التحقيقات مستمرة لرصد كل الطرق المحتملة لتهريب الأسلحة إلى اليمن وقالوا أن الإمارات أبلغت عن 11 هجمة على قواتها البرية في اليمن من قبل الحوثيين بواسطة طائرات بدون طيار، وعلى الرغم من أن إعلام الحوثي أعلن عن قدرة المتمردين على بناء طائرات دون طيار داخل اليمن إلا أن المحققون كشفوا أن كل مكونات هذه الطائرات مقدمة من الخارج وتم تجميعها فقط في اليمن. نفوذ إيران في العالم العربي إلى انحسار: مع إجماع المجتمع الدولي على فشل كل أطراف الصراع بالتوصل إلى حل عسكري للأزمة في سورية تبقى هناك عدة أولويات لأي حل تطرحها الأطراف الدولية بمن فيهم الطرف الروسي المقرب من نظام الأسد، وعلى رأس المطالب التي تهم المجتمع الدولي للتوصل إلى حل في سورية يؤدي إلى استقرار إقليمي هو إخراج ميليشيات إيران وعلى رأسها حزب الله من الأراضي السورية للتمكن من الوصول إلى إجماع و حل سوري وطني بعيد عن العناصر الأجنبية وخاصة أن الطرف الإيراني كان له الدور الأكبر في تعقيد الصراع وإدخال عناصر خارجية عليه. في العراق ومع بدء انحسار نفوذ داعش في البلاد وحاجة العراقيين الماسة إلى الاستقرار بدأت عدة تيارات شيعية عراقية بالنفور من الدعم الإيراني الخبيث الذي لم يمنح العراق بكل مكوناته سوى الدمار والمزيد من الفوضى والإفقار، إذ بدأت أصوات عراقية تعلوا مطالبة بإعادة العراق إلى الحضن العربي. وفي اليمن، باتت 85 بالمئة من الأراضي اليمنية تحت سيطرة الشرعية في ظل تمدد الخلافات بين الحوثي و صالح وانهيار معسكر الانقلابيين أمام الحصار الشديد المطبق عليهم في البحر والبر والجو. وصرّح مايكل نايتس الخبير في شؤون المنطقة في معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى بأن الدعم الإيراني للحوثيين يشكل تهديدا خطيرا للأمن العالمي، بما في ذلك الولاياتالمتحدة، لأسباب عديدة حيث أن إعطاء الإيرانيين الصواريخ والمعدات التكنولوجية الحديثة للحوثيين أمر يهدد الملاحة في مضيق باب المندب، أحد أكثر الممرات المائية حيوية في العالم. كما أخبر نايتس الرياض عن وجود احتمال يتعدى ال50٪ حول انهيار الاتفاق النووي بين إيران والمجتمع الدولي خلال الأشهر الثلاثة إلى الستة القادمة، ولا يعتقد نايتس أن إيران ستتخلى عن الحرب في اليمن لأنها "حرب بالوكالة ورخيصة التكلفة" ولا تجعلها تخسر شيء سوى بعض الأسلحة لكنه يتوقع أن الحصار البحري الصارم على تهريب السلاح للحوثيين يستنفذ خيارات إيران ويجبرها على الابتعاد عن دعمهم تدريجياً.