من المتفق عليه بلا جدال أن الحضور الجماهيري يعد أهم عوامل ارتفاع القيمة السوقية للمسابقات الرياضية السعودية، ومخصصات النقل التلفزيوني للمباريات، وزيادة مداخيل الأندية، ودعم جهود اتحاد الكرة، وتوسع الإعلانات التجارية المصاحبة للمباريات، إلا أن مع كل ذلك ظلت عجلة تطوير بيئة الملاعب معطلة لا تبرح مكانها، حتى بعد انطلاقة "دوري جميل" لهذا الموسم، والتي وافقت شهر أغسطس المعروف بحرارة أجوائه وزيادة معدلات الرطوبة لأعلى درجاتها، فبرزت جلياً معضلة سوء بيئة الملاعب من جديد منذ الجولة الأولى، وعلت أصوات مسؤولي الأندية والجماهير، تطالب بخطوات عملية ملموسة، تحول المدرجات إلى متعة حقيقية للمشجعين، تثير حماسهم وتجتذب حضورهم في كل مباراة، في استثمار حقيقي متاح وبمظهر حضاري بهيج. في الواقع أن مسؤولي الرياضة في الهيئة العامة وفِي اتحاد الكرة، مازالوا يغفلون أو يتغافلون عن فتح ملف الاستثمار الحقيقي لمدرجات الملاعب والتي تأن وسط بيئة غير جاذبة، تفتقد لأهم مقومات التحفيز والتسهيلات والراحة في متابعة المباريات، ولا تساهم في ارتفاع معدلات الحضور الجماهيري. الرياضة الآن لم تعد ترفيهاً فقط، بل تحولت إلى صناعة ومورد اقتصادي مهم، والأندية في طريقها إلى دخول عالم الخصصخة، فيما مازالت بيئة الملاعب كما هي عليه منذ أعوام طويلة، دون النظر في منحها شيئاً من الاهتمام ومسايرة التطور الرياضي في مختلف الجوانب، عدا اجتهادات وقتية لا تجدي نفعاً على المدى الطويل، فمن أبسط حقوق المشجع الذي يحضر قبل ساعات من بداية مباريات فريقه، الشعور بالرضا عن الخدمات المقدمة في المدرجات، ما يشجعه على تكرار الحضور لمباريات مقبلة، إلا أن الواقع مازال يخالف ذلك تماماً، وتحولت رحلة المشجعين إلى الملاعب إلى معاناة حقيقية تنتظر الحلول. لماذا لا يتم توفير حافلات مجهزة لنقل المشجعين من مختلف الأحياء في المدن، وبأسعار رمزية تخفف معاناة المشجعين في التنقلات، والبحث عن مواقف ومداخل للملاعب، في إطار الحرص على حضور جماهيري كبير، يملأ مقاعد المدرجات الخالية في مباريات عدة؟، وما الذي يقف في هذا الصدد دون إسناد ملف تطوير الملاعب إلى مؤسسات استثمارية متخصصة؟ تساهم في توفير سبل الراحة والترفيه للمشجعين، بتطبيق عملي ينبأ عن اهتمام شامل للمدرجات كلها، بداية من اعتماد التوقيت المناسب لمواعيد المباريات، وسلاسة إجراءات التفتيش، وتسهيل المرور في الطرق المؤدية للملعب، وتوفير متطلبات الأمن والسلامة، وجود منظمين متخصصين للجمهور، تجهيز مواقف السيارات، وتطوير آلية بيع التذاكر، عن طريق ربط التذكرة برقم المقعد، والاهتمام العالي بالنظافة العامة للملعب، ومراقبة الخدمات الغذائية في الملاعب. وكذلك العمل على تطوير خدمات أبراج الاتصالات، وتحفيز الخدمات المقدمة لذوي الاحتياجات الخاصة، وتفعيل نطاق تقديم الجمهور للشكاوى بخصوص الخدمات، وإيجاد لائحة عقوبات خاصة لمستخدمي الألعاب النارية في المدرجات، ورمي المخلفات على الملعب وتكسير المقاعد والتدخين، و إعداد لائحة بقائمة الممنوعات في الملاعب. تحسين بيئة مدرجات الملاعب هو جزء مهم من تطوير المنشآت الرياضية السعودية ككل، تنظيماً وإدارة، لمواكبة واستثمار حجم الشغف الكروي الجماهيري، وهو ملف كبير لا يمكن أن يظل هكذا حبيس المؤتمرات والاجتماعات العابرة، ما لم يتبعها خطوات عملية، يلمس تأثيرها المشجع بمجرد دخوله بوابة الملعب، ما سيدفعه حتماً لتكرار التجربة، بدلاً من الاكتفاء بمتابعة فريقه المفضل عبر الشاشة الفضية.