هناك مثل جيزاني قديم يقول "مزين الخلاخل.. والبلا من داخل"، بمعنى أنّ الصورة التي يراها الناس هي من يحرص عليها صاحبها، وهي التي جاهد من أجل تصديرها لهم، سواء في المظهر أو السلوك المتملق، أو الصورة المتكلفة، التي لو فتشت خلفها لوجدت ما هو عكس الصورة التي رأيتها تماماً.. شخص آخر مختلف.. لاعلاقة له بالمظهر الذي رأيته فيه...! هناك مثل آخر "من برا هالله هالله.. ومن جوه يعلم الله"، وهو يعني أن الناس تهتم بالقشور وتركز عليها ولا وقت لديها لفهم المضمون أو ما هو بالداخل، وهو مايذهب بنا إلى قضية هامة وهي عند تورط أحدهم مع آخر في قضية نصب أو تلقيه هزيمة منه أو وقوعه في كارثة بسبب شخصاً آخر تجده يقول أنا شفت الظاهر والله يعلم الباطن، لقد خُدعت وهذا ليس ذنبي.. لقد اقتنعت بالصورة التي رأيتها والشخص الذي عرفته واستطاع أن يصل إلىّ بسهولة بمظهره وأسلوبه وطريقته في الكلام، وكلها أوراق لابد من اللعب بها من أجل المكسب والتأثير على الآخر،والنتيجة ذنب من الكارثة؟ وذنب من الأوراق التي كُشفت وتم اللعب بها؟ هل هو ذنب من صدّر الصورة وحرص عليها أن تكون متقنة ومقننة..؟ وعمل أن تكون نتائجها صحيحة؟ أم هو ذنب من استلم الصورة وفهمها بطريقته دون أن يفتش أو يبحث في داخلها أو يفهم أن هناك صورة أخرى خلف الصورة التي يراها؟ في الحياة العامة نشاهد أشخاصاً أنيقين جداً ويرسمون صورا جميلة عندما تشاهدهم ولكن بمجرد أن تبدأ التعامل الفعلي ستجد صورة أخرى عن التي رآيتها. .فمثلاً الحديث سيء ولايعكس الشكل.. الثقافة صفر.. الاحترام معدوم.. تقدير الآخر البسيط غير متوفر.. هو الشكل فقط المليء بالنواقص...! دراسة طريفة أجرتها جامعتا "باريس ديكارت" وساذرن بريتاني.. تتبعت من خلالها مجموعة من المتسوقين خارج المحلات الغالية بباريس.. هذه الطبقة التي تتمتع بالجاه والمال وتتذوق أشكال الفنون والجمال.. وتتسوق من أغلى المحلات وأفخمها.. وبالتالي فالمتوقع دائماً أن هذا ينعكس على تصرفاتهم.. لأنها طبقة تتميز بالرقي مثلاً في الأزياء والإكسسوارت.. لكن الدراسة توصلت إلى العكس وبأن هذه الشريحة لاتتمتع بالحس الإنساني الكافي تجاه الآخرين.. وكان لافتاً أنهم لايراعون فتح الأبواب لغيرهم.. كما لايتوقفون ولو لدقائق لمساعدة غريب في مأزق أو يعاني من حالة تتطلب مساعدة...! في المقابل أظهر الزبائن الذين يتسوقون من محلات شعبية وعادية أنهم أكثر دفئاً وإنسانية.. حيث يسارعون لمساعدة الغير من دون تردد.. وفسرت الدراسة الأمر بأنه يعود إلى بريق المنتجات المترفة، وتلك الرغبة المحمومة للحصول عليها، والتي تجعلهم لايرون أي شيء أمامهم ما عدا هذه المنتجات...! واستعملت الدراسة شوارع باريس كمختبر ميداني لعبت فيه طالبات دور فتيات يحتجن للمساعدة في حالات حرجة وقفن بالقرب من محلات فخمة مثل لويس فويتون وديور وغيرها، واستعملوا عكاكيز وأظهروا حالة عجز بإسقاط شيء من أيديهن لايستطعن التقاطه، وأحياناً طلبن المساعدة بالهاتف الجوال لسبب مستعجل.. لمتابعة ردة الفعل.. ولم تكن النتيجة في صالح الشريحة الغنية التي لم يُبد سوى 35 في المئة منهم أي محاولة لمساعدة الغير مقارنة بالمسوقين من المحلات الشعبية الأرخص الذين سارعت بنسبة 77 في المئة لتقديم يد العون...! في النهاية لكل شخص وجهان؛ فاحرص أن تعرف الوجه الغير واضح أو الآخر قبل معرفة الوجه الأول....!!