كشفت المشاهد الأولية من حي المسوّرة في عوّامية القطيف بعد تطهيره من العناصر الإرهابية جانباً من حجم المواجهة مع رجال الأمن، وجوانب أخرى من طبيعة المكان وأوكاره وأزقته الضيقة التي أجابت عن سؤال رفض تلك العناصر لعملية التطوير، حيث بات واضحاً أن المسوّرة كانت مركز الانطلاق لعمليات القتل والخطف والتهديد، ومستودعاً للأسلحة، وورشاً للتصنيع، وملجأً للمطلوبين الفارين من العدالة. عملية التطهير سبقتها إجراءات أمنية من الرصد والمتابعة والمواجهة أحياناً، إلى جانب إعلان قوائم المطلوبين، ونداءات متكررة بتسليم أنفسهم، ولم تكن الاستجابة كافية لدرء الخطر، حيث أظهرت أرقام أولية على مدى عام ونصف من المواجهات استشهاد (12) من رجال الأمن، وإصابة (16) آخرين، والقبض على (14) مطلوباً، وقتل (11) إرهابياً، فضلاً عن مقتل مدنيين وإصابة البعض منهم، وكل ذلك يعني أن التهديد قائم، ولكن الحلول الحكومية لم تُستنفذ في المواجهة. وفعلاً تم اعتماد مخطط تطوير حي المسوّرة، وتعويض الأهالي عن ممتلكاتهم بمبالغ مجزية، وحين تم البدء في تنفيذ المشروع عادت العناصر الإرهابية للقتل والترويع، وهو ما تتطلب حسم المواجهة بالطريقة التي تناسب الموقف، حيث دخلت قوات الأمن في معركة التطهير وفرض هيبة الدولة، وقدرتها، ونجحت في المهمة. المسوّرة لم تكن حيزاً جغرافياً من الوطن يستوطنه الإرهاب الأجير، أو مركزاً محدوداً لعملياته، ولكنها كانت نواة لمشروع إيراني في المنطقة لإثارة العنف والطائفية، ومحاولة استنزاف القدرات الأمنية، وخلط الأوراق، وتضخيم ردود الفعل الدولية، والحقوقية، إلى جانب كونها مسرحاً لتدخل دول ترعى الإرهاب وتموّله مثل قطر لزعزعة أمن واستقرار المملكة. لم يكن خافياً على المملكة منذ أزمة العوّامية بعد القبض على الإرهابي نمر النمر في يوليو 2012، والقصاص منه في يناير 2016 أن التدخل الإيراني واضح ومكشوف، ومدعوم بكل أسف من حكومة الدوحة، وحاولت المملكة أن تؤجل المواجهة أكثر من مرة طمعاً في تخفيف التوتر، وتسوية الموقف، واستعانت بالأهالي الشرفاء في مهمة التبليغ، والمناصحة، وتعرية التوجهات الإيرانية من المتأثرين بها، ولكن لم تسفر جهود ضبط النفس عن نتائج مطلوبة، بل زاد عليها عمليات داعش الإرهابية التي ضربت مواقع عدة في شرق السعودية لإثارة الطائفية، ومع كل ما حدث كانت الدولة إلى آخر يوم من عمليات تطهير المسوّرة تنادي المطلوبين بإلقاء أسلحتهم وتسليم أنفسهم، ليس خوفاً منهم، ولكن حتى لا يكونوا ضحية غيرهم. النهاية كانت عنواناً عريضاً أن الدولة تبقى دولة، مهما حاول الإرهاب أن ينال منها، أو يثير صفها الواحد، وعادت المسوّرة أو المطوّرة -التي يفضّل الجميع تسميتها اليوم- إلى وضعها الطبيعي، وسيكون أهلنا هناك على موعد مع الأمن والتنمية معاً؛ ليبقى الوطن للجميع.